اتفاقية ترسيم الحدود بين قيرغيزستان وطاجيكستان وتعزيز التعاون الإقليمي في آسيا الوسطى
د. عمران طه عبدالرحمن عمران دكتوراه الفلسفة في العلوم السياسية
اتفاقية ترسيم الحدود بين قيرغيزستان وطاجيكستان وتعزيز التعاون الإقليمي في آسيا الوسطى
د. عمران طه عبدالرحمن عمران دكتوراه الفلسفة في العلوم السياسية – مصر
تُمثّل اتفاقية ترسيم الحدود بين قيرغيزستان وطاجيكستان، التي أُبرمت مؤخرًا، إنجازًا هامًا في جهود آسيا الوسطى المستمرة لمعالجة النزاعات الإقليمية طويلة الأمد. فبعد أكثر من ثلاثة عقود من النزاعات والمناوشات العنيفة والتوترات السياسية، يُشير إتمام اتفاقية الحدود بين قيرغيزستان وطاجيكستان إلى نقطة تحول محتملة في المنطقة. ورغم أن الاتفاقية أثارت ردود فعل متباينة من المجتمعات المحلية، إلا أنها تفتح آفاقًا جديدة لآسيا الوسطى أكثر انسجامًا وتعاونًا، وهو أمر بالغ الأهمية في ظلّ ديناميكيات عالمية وإقليمية متغيرة. علاوة على ذلك، يُسلّط دور رئيس أوزبكستان، شوكت ميرزيوييف، في تسهيل هذه الاتفاقية الضوء على الأهمية المتزايدة للتعاون الإقليمي في ظلّ مشهد جيوسياسي متغيّر.
-
تاريخ من التوتر
لسنوات، كانت قيرغيزستان وطاجيكستان على خلاف بشأن حدودهما المشتركة، وخاصةً بشأن مساحات من الأراضي في وادي فرغانة، الذي لطالما كان بؤرةً للنزاعات. وقد شهدت هاتان الدولتان الواقعتان في آسيا الوسطى، وكلاهما جمهوريتان سوفييتيتان سابقتان، أعمال عنف متفرقة، كان آخرها الاشتباكات الحدودية التي وقعت في أبريل/نيسان 2021 وسبتمبر/أيلول 2022. وقد أسفرت هذه الاشتباكات عن مقتل أكثر من 200 شخص وتشريد آلاف الأشخاص. وكان الصراع حادًا بشكل خاص في منطقتي باتكن وسغد، وهما منطقتان خصبتان وكثيفتا السكان، مما يجعلهما بالغتي الأهمية لأسباب زراعية واستراتيجية.[1]
تاريخيًا، أدت حدود الحقبة السوفيتية، التي رُسمت دون مراعاة للانقسامات العرقية والثقافية والإقليمية، إلى تفاقم التوترات بين دول آسيا الوسطى المجاورة. وكثيرًا ما اشتبك السكان القيرغيز والطاجيك حول حقوق الأراضي وموارد المياه والوصول إلى مناطق الرعي. فعلى سبيل المثال، كانت منطقة فوروخ، وهي منطقة خاضعة لسيطرة الطاجيك داخل قيرغيزستان، نقطة خلاف، حيث جادل المسؤولون القيرغيز بأنها تؤدي إلى تفاقم النزاع الحدودي وأنه ينبغي إعادة تعريف سيادتها.[2] وقد سلطت صراعات الحدود التي اندلعت في أبريل وسبتمبر 2022 الضوء على هشاشة الوضع، حيث تصاعدت المظالم المحلية والنزاعات الإقليمية إلى مواجهات عنيفة. وأظهرت هذه الاشتباكات أنه بدون إدارة سليمة، يمكن أن تخرج قضايا الحدود عن نطاق السيطرة، مما يؤدي إلى مواجهة مسلحة كاملة.
ومع ذلك، فإن إضفاء الطابع الرسمي على اتفاقية حدودية بعد أكثر من ثلاثة عقود من المفاوضات من شأنه أن يُمهّد الطريق لتعاون إقليمي أوسع نطاقًا وتحقيق السلام في المستقبل. ويُمثل الاتفاق الموقّع في فبراير 2025 إنجازًا كبيرًا، إذ يُمثّل أول مرة منذ أكثر من ثلاثة عقود تتفق فيها الدولتان على شروط تسوية نهائية للحدود. ويشمل الاتفاق تبادل الأراضي المتنازع عليها – 190 هكتارًا من كلا الجانبين – ونقل آلاف السكان الحدوديين.[3]
-
اتفاقية ترسيم الحدود خطوة نحو الاستقرار:
تُحدد اتفاقية الحدود الموقعة في فبراير/شباط 2025 تبادل الأراضي المتنازع عليها، حيث تتنازل قيرغيزستان عن 190 هكتارًا من الأراضي، بينما تفعل طاجيكستان الشيء نفسه. ومن أبرز بنود الاتفاقية نقل سكان القرى الحدودية، بما فيها دوستك، إلى تشيت بولاك المجاورة. ورغم معارضة مخططات النقل في كثير من الأحيان، فإن التعويضات – مثل منح طاجيكستان 30 هكتارًا من الأراضي الزراعية المروية لقيرغيزستان – تُظهر استعدادًا للاعتراف باحتياجات السكان المحليين المتأثرين بتغييرات الحدود. وتهدف هذه المبادرة إلى ضمان حصول القرويين النازحين على الموارد اللازمة، وضمان عدم انقطاع سبل عيشهم تمامًا.
يُبرز نقل سكان دوستك إلى تشيت بولاك تعقيدات إدارة النزاعات الحدودية في القرن الحادي والعشرين. فبينما تهدف التعويضات والوعود ببنية تحتية جديدة، بما في ذلك مساكن جديدة ومساحات زراعية أكبر، إلى تهدئة السكان، إلا أن واقع النزوح قد يُثير استياءهم. وقد أعرب العديد من سكان دوستك عن استيائهم من صغر قطع الأراضي التي مُنحت لهم في تشيت بولاك، مما تسبب في اشتعال التوترات. وردًا على ذلك، اعتذر أيبك شامينوف، حاكم مقاطعة باتكين في قيرغيزستان، ووعد بتوفير قطع أراضي أكبر. ومع ذلك، فإن مستوى رضا هؤلاء النازحين سيعتمد على التنفيذ الفعال وفي الوقت المناسب لهذه الوعود.[4]
يتناول الاتفاق أيضًا قضايا الموارد المائية المزمنة، لا سيما في منطقة باتكن، التي تعتمد زراعتها على الري. ويُعتبر عرض طاجيكستان منح قيرغيزستان 30 هكتارًا من الأراضي الزراعية المروية بادرة حسن نية رئيسية، إذ سيساهم في تخفيف الضغط على القطاع الزراعي في قيرغيزستان. ويُبرز هذا الجانب من الاتفاق أهمية التعاون في إدارة الموارد الطبيعية المشتركة، وخاصةً المياه، التي تُعدّ قضيةً بالغة الأهمية لجميع دول آسيا الوسطى. لطالما كانت ندرة المياه وسوء إدارتها مشكلةً مزمنةً في المنطقة، وتُمثّل هذه الاتفاقية خطوةً إلى الأمام في معالجة هذه القضايا.
علاوة على ذلك، سيساعد ترسيم الحدود على ضمان حقوق ملكية أوضح للمزارعين القرغيزيين والطاجيك، مما يقلل من احتمالية نشوب نزاعات مستقبلية حول ملكية الأراضي. ويرسي ترسيم حدود واضحة ومتفق عليها بين البلدين أساسًا للتعاون المستقبلي في قطاعات مثل التجارة والبنية التحتية وإدارة البيئة. وقد أُعيد فتح الحدود بين قرغيزستان وطاجيكستان لأول مرة منذ ما يقرب من أربع سنوات، بعد توقيع الرئيس القرغيزي صدر جباروف والرئيس الطاجيكي إمام علي رحمانوف اتفاقية ترسيم الحدود في العاصمة القرغيزية بيشكيك في 13 مارس/آذار.[5]
-
البيئة الجيوسياسية المتغيرة في آسيا الوسطى:
ينبغي النظر إلى اتفاقية الحدود القرغيزية الطاجيكية في سياقها الأوسع المتمثل في التحولات الجيوسياسية والعالمية المتغيرة التي بدأت تؤثر على آسيا الوسطى. تاريخيًا، وقعت آسيا الوسطى في مرمى نيران القوى المتنافسة – روسيا والصين والغرب – التي يتنافس كل منها على النفوذ في منطقة غنية بالموارد الطبيعية والأهمية الاستراتيجية. وقد أدى التنافس المستمر بين القوى العالمية، إلى جانب ضعف المنطقة أمام الضغوط الخارجية، إلى صعوبة قيام آسيا الوسطى بتطوير نهج إقليمي موحد. ومع ذلك، تُمثل هذه الاتفاقية الحدودية نقطة تحول محتملة، إذ تعكس إدراكًا متزايدًا بأن التعاون داخل المنطقة ضروري لاستقرار آسيا الوسطى وازدهارها.
يُعدّ دور أوزبكستان في تسهيل هذه الاتفاقية بالغ الأهمية. ففي عهد الرئيس شوكت ميرزيوييف، اتبعت أوزبكستان نهجًا أكثر استباقية في تعزيز التعاون الإقليمي. وقد لعب ميرزيوييف، الذي تولى الرئاسة عام ٢٠١٦، دورًا محوريًا في تحويل السياسة الخارجية لأوزبكستان نحو المشاركة والدبلوماسية الإقليمية. وقد ساهمت جهوده لتحسين العلاقات مع الدول المجاورة، بما فيها قيرغيزستان وطاجيكستان، في تمهيد الطريق لاتفاقية الحدود.
أكد ميرزيوييف على أهمية الاستقرار والتعاون داخل آسيا الوسطى، ولعبت قيادته دورًا حاسمًا في تخفيف التوترات بين جيران أوزبكستان. على سبيل المثال، في عام 2018، وقعت أوزبكستان اتفاقية تاريخية مع قيرغيزستان لحل قضايا تقاسم المياه، والتي كانت مصدرًا للتوتر لفترة طويلة.[6] كما شجع ميرزيوييف على زيادة التعاون في التجارة وتطوير البنية التحتية والأمن داخل المنطقة. كان للاجتماع الاستشاري لرؤساء جميع جمهوريات آسيا الوسطى، الذي انطلق في عام 2018، دور فعال في تعزيز العلاقات بين هذه الدول. كما خلق بيئة أكثر ملاءمة لحل النزاعات طويلة الأمد، مثل قضية الحدود القيرغيزية الطاجيكية.
علاوة على ذلك، يمنحها موقع أوزبكستان الاستراتيجي في آسيا الوسطى قدرة فريدة على التوسط بين جيرانها. وبصفتها الدولة الأكثر سكانًا وقوةً اقتصاديةً في المنطقة، استغلت أوزبكستان نفوذها لتشجيع الحوار والتعاون. وقد ساهمت جهود ميرزيوييف الدبلوماسية، لا سيما تركيزه على الإقليمية والتعددية، في تحويل أوزبكستان من دولةٍ انتهجت في السابق سياسةً خارجيةً أكثر انعزاليةً إلى لاعبٍ رئيسي في تشكيل مستقبل آسيا الوسطى.
علاوة على ذلك، من المقرر أن يجتمع قادة قيرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان في خوجاند، طاجيكستان، في 31 مارس/آذار لمناقشة التقدم المحرز في ترسيم حدودهم ومستقبل وادي فرغانة الغني زراعيًا. ويُعد هذا أول اجتماع من نوعه منذ استقلال هذه الدول عن الاتحاد السوفيتي عام 1991.
-
تحديات محتملة لتحقيق الاستقرار:
في حين تُمثل اتفاقية الحدود خطوة إيجابية، إلا أن نجاحها على المدى الطويل سيعتمد على كيفية تنفيذها وشعور سكان المناطق الحدودية تجاه هذه التغييرات. سيستغرق تجسير انعدام الثقة بين السكان على جانبي الحدود وقتًا، وسيكون طريق المصالحة مليئًا بالتحديات. قد يواجه سكان قرى مثل دوستك استياءً وتحدياتٍ أثناء تكيفهم مع منازلهم الجديدة في تشيت بولاك، خاصةً إذا لم تُلبِّ التعويضات الموعودة، بما في ذلك الأراضي والمساكن، توقعاتهم. قد يُقوِّض استياء هؤلاء السكان المحليين الأهداف الأوسع للتعاون الإقليمي.
علاوة على ذلك، يُضيف خضوع وسائل الإعلام في طاجيكستان لرقابة مشددة، وانعدام الشفافية بشأن مشاعر الشعب الطاجيكي تجاه الاتفاق، مزيدًا من التعقيد. وسيلعب الرأي العام، وخاصةً أولئك الذين فقدوا أراضيهم الزراعية أو تأثروا مباشرةً بالتغييرات، دورًا محوريًا في تحديد نجاح الاتفاق. وقد يُقوّض الاستياء المحلي الأهداف الإقليمية الأوسع للتعاون والاستقرار. لذا، يجب إدارة الاتفاق القيرغيزي الطاجيكي بعناية لضمان عدم تأجيجه المزيد من الاستياء أو تفاقم التوترات القائمة.
ومع ذلك، فإن تقديم كلٍّ من قيرغيزستان وطاجيكستان تنازلات – وإن كان على مضض في بعض الحالات – يُشير إلى استعدادهما لتجاوز المظالم التاريخية. وإذا تمكنت الدولتان من إدارة هذه المرحلة الانتقالية بسلاسة، فقد يُقلل ذلك من خطر نشوب صراعات مستقبلية، ويُمهّد الطريق لتعاون إقليمي أوسع.
خاتمة: إن اتفاقية الحدود القيرغيزية الطاجيكية، وإن لم تخلُ من التحديات، تُمثل خطوةً مُفعمةً بالأمل نحو حلٍّ سلميٍّ للصراعات الإقليمية في آسيا الوسطى. وتُشير هذه الاتفاقية إلى بداية عهدٍ جديدٍ من الإقليمية، حيث تُركز دول المنطقة بشكلٍ متزايدٍ على الحلول التعاونية للتحديات المشتركة بدلاً من النزاعات الإقليمية الفردية. ومن خلال معالجة قضايا الحدود المُزمنة وتعزيز بيئة التعاون، أرست قيرغيزستان وطاجيكستان الأساسَ لآسيا الوسطى أكثر استقرارًا وازدهارًا، وأكثر قدرةً على مُواكبة الديناميكيات المُتغيرة للسياسة العالمية.
على المدى البعيد، قد تُصبح اتفاقية الحدود القرغيزية الطاجيكية حجر الزاوية في إطار إقليمي جديد يُسهم في موازنة نفوذ القوى الخارجية، ويُعزز الشعور بالوحدة بين دول آسيا الوسطى. ومع إجراء التعديلات الدبلوماسية والاجتماعية المناسبة، قد تكون المنطقة على أعتاب حقبة جديدة أكثر سلمًا. إن قيادة رئيس أوزبكستان شوكت ميرضيائيف، إلى جانب الجهود التعاونية بين قرغيزستان وطاجيكستان، تُبشّر بأمل أن تنجح الإقليمية في تجاوز العداوات التاريخية، مما يُسهم في بناء آسيا الوسطى أكثر تعاونًا وأمانًا في المستقبل.