العلاقات المغربية الأسيوية .. نحو تعزيز الشراكات الاستراتيجية

د.محسن الندوي

0

د.محسن الندوي

رئيس المركز المغربي للدراسات الاستراتيجية و العلاقات الدولية

 

تقيم المملكة المغربية علاقات تاريخية مع البلدان الاسيوية، تتقاسم معها الانشغالات ضد أسباب الاختلالات المناخية وتدهور البيئة، وذلك من أجل توطين مشاريع الاقتصاد الأخضر وإنتاج الطاقة من مصادر متجددة،

واذا كانت المملكة بالأمس قد خاضت معركة مشتركة وناجحة للتحرر السياسي من الاستعمار والقيام بدور معتدل طوال فترة الحرب البارة فان الطموح يحذوها اليوم لرفع تحديات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وذلك بتسخير طاقاتها الاقتصادية ومواردها البشرية، لصالح الاستراتيجية الجديدة للشراكة الافرو- أسيوية.

ومن خلال هذه الاستراتيجية، نجح المغرب في أن يصبح منصة أفريقية وشرق أوسطية للدول المستثمرة ومنها الدول الاسيوية.

فعلى الصعيد السياسي، يأمل المغرب في الحصول على دعم قوي في قضته الوطنية الاولى. وتبدو استراتيجيته مربحة، مع أهمية اختفاء الاعتراف بالبوليساريو تقريبًا من القارة الآسيوية، باستثناء كوريا الشمالية، وبدرجة أقل إندونيسيا وفيتنام، اللتين تحافظان على موقف دقيق: التوافق بين الأطراف المختلفة في إطار الأمم المتحدة .وتعمل الدبلوماسية المغربية منذ عدة سنوات على زيادة الاجتماعات مع هاتين الدولتين لتطوير التجارة والتعاون بينهما.

وقد أشار الخطاب الملكي الموجه الى القمة الافريقية الاسيوية في  جاكارتا بأندونيسيا يوم 22/04/2005 إلى أهمية وضع اطار قانوني مناسب ينبني على اتفاقيات مشجعة للاستثمار كفيلة بحمايته، وملغية للازدواجية الضريبية، باعتبار ذلك يوفر المناخ المحفز على ترسيخ شراكة اقتصادية أفرو- آسيوية واعدة. مضيفا ان دور الاندماج الاقليمي في تشجيع مسلسل التبادل والتكامل الاقتصادي بين القارتين أساسي، لاسيما وأن الظرفية الدولية، تحتم تشكيل تجمعات اقليمية قوية، كفيلة برفع تحديات العولمة.
مضيفا بأهمية  اقامة تعاون مدعوم ومهيكل بين المجموعات الاقليمية للقارتين من شأنه أن يسهم ليس فحسب في تحفيز المبادلات التجارية والاستثمار بين الطرفين ولكن أيضا في بروز أقطاب اقتصادية كبرى ذات قدرات تنافسية كفيلة بأن تصبح قوى فاعلة للاقتراح والتفاوض على الصعيد الدولي.

العلاقات المغربية الصينية

كان المغرب أول دولة أفريقية تعترف بجمهورية الصين الشعبية في عام 1958، كما تعتبر الصين  ثالث أكبر شريك تجاري للمغرب على مستوى العالم، والأول على مستوى آسيا، مشيرا إلى الاهتمام المتزايد للشركات الصينية بالسوق المغربية منذ زيارة  الملك محمد السادس للصين سنة 2016.

 توجد عشرات الشركات الصينية متواجدة بالفعل في المملكة، فيما أبدت العديد من الشركات الأخرى اهتمامها بممارسة أنشطتها بالمغرب، لاسيما في قطاعات صناعة السيارات، والطاقة المتجددة، والنسيج، والصناعة الزراعية. كما تشارك الشركات الصينية في طلبات العروض بالمغرب من أجل انجاز مشاريع تنموية كبرى في قطاعات الصناعة، والبنية التحتية والبناء، وهو ما يدل على الدينامية القوية للتعاون الذي يربط البلدين.

ويعد المغرب أول بلد في أفريقيا ينضم إلى مبادرة “الحزام والطريق” خلال يناير/كانون الثاني 2022. وهذه المبادرة  التي أطلقها الرئيس الصيني عام 2013، وهي عبارة عن مشروع يهدف إلى إنشاء حزام بري من سكك الحديد والطرق عبر آسيا الوسطى وروسيا، وطريق بحري يسمح للصين بالوصول إلى أفريقيا وأوروبا عبر بحر جنوب الصين والمحيط الهندي، بكلفة إجمالية تبلغ تريليون دولار.

 سياسيا ، إن المغرب يتبادل المواقف مع الصين ، حيث لا تعترف بكين بالجمهورية الصحراوية المزعومة  والرباط تعتبر تايوان مقاطعة صينية. ويعتبر المغرب دولة محورية بالنسبة للصين في مشروعها الضخم “طرق الحرير الجديدة”. وحتى الآن، وصلت المبادلات التجارية بين البلدين إلى 6 مليارات دولار فقط في عام 2021، لكنها ارتفعت بنسبة 50 في المئة منذ عام 2016.

اقتصاديا، يسعى المغرب والصين لتحقيق نمو في العلاقات، وخلال استقبال المغرب أمس الأول الخميس الرئيس الصيني شي جين بينغ بحث الطرفان خطة أوسع لتنويع شراكة اقتصادية وتجارية، بعيدا عن الاتحاد الأوروبي

إن الشراكة الاستراتيجية بين البلدين أثمرت نتائج ملموسة، عبر تضاعف حجم الاستثمار الصيني بالمغرب 5 مرات من 2016 إلى 2023، بينما تضاعف حجم التبادل التجاري مرتين في الفترة نفسها.

العلاقات المغربية الهندية

أقامت المغرب والهند علاقات دبلوماسية رسمية عام 1957، وكان مؤتمر رؤساء دول وحكومات بلدان عدم الانحياز الذي عقد في بلغراد، بيوغوسلافيا، في سبتمبر (أيلول) 1961، إحدى أهم المحطات في العلاقات بين المغرب والهند. كان هذا المؤتمر، وهو القمة الأولى لحركة عدم الانحياز، حدثًا تاريخيًّا جمع زعماء من مختلف دول عدم الانحياز. وقد أتاح الفرصة للملك الحسن الثاني ملك المغرب ورئيس الوزراء الهندي جواهر لال نهرو للقاء.

استمرت العلاقات المغربية- الهندية بدون تطور ثنائي لافت، لكن عام 1991 كان نقطة تحول في السياسة الخارجية الهندية بسبب أزمة ميزان المدفوعات في ذلك الوقت، التي نجمت جزئيًّا عن انهيار الاتحاد السوفيتي، الذي كان آنذاك الشريك التجاري الأكثر أهمية لنيودلهي؛ لذا بدأ التركيز الإستراتيجي للهند يتحول نحو التوسع الواسع للعلاقات الاقتصادية والاستثمار الأجنبي المباشر في مختلف أنحاء منطقة شمال إفريقيا، وقد صيغ هذا التوجه الاستراتيجي بوصفه أولوية دبلوماسية؛ نظرًا إلى الأهمية الإستراتيجية لشمال إفريقيا بوصفها بوابة إلى كل من أوروبا والقارة الإفريقية الأوسع.

 منذ اعتلاء  الملك محمد السادس عرش المملكة، شهدت العلاقات بين المغرب والهند تطورا ملحوظا على المستويات السياسية والاقتصادية والتجارية، ساهم في إرسائها الزيارة الرسمية التي قام بها الملك للهند في عام 2001 وتلك التي قام بها الوزير الأول الهندي الأسبق أتال بيهاري فاجبايي للمغرب في عام 1999.

وتشكل الزيارة التاريخية التي قام بها الملك محمد السادس للهند في أكتوبر 2015، من أجل حضور أعمال القمة الثالثة لمنتدى “الهند-إفريقيا 2015″، نقطة تحول مهمة تمهد الطريق نحو شراكة استراتيجية أكثر نجاعة ومتانة بين المغرب والهند.

 وتعكس هذه الزيارة، الرغبة الملكية في تعزيز التعاون الثلاثي بين المغرب والهند وإفريقيا، باعتباره الآلية المثلى التي بإمكانها تحسين ظروف عيش شعوب المنطقة، والركيزة الأساسية للتعاون جنوب–جنوب، الذي يعد مسألة استراتيجية بالنسبة للمملكة في سعيها الدائم نحو مبادرات من هذا النوع.

  كما تندرج هذه المبادرة في سياق التوجهات الاستراتيجية الملكية الهادفة إلى الارتقاء بعلاقات التعاون السياسي والاقتصادي التي تجمع المغرب بالهند وعدد من بلدان القارة الإفريقية، إلى مستوى شراكة شاملة وناجعة على مختلف المستويات.

  ومن هنا يأتي تأكيد  الخطاب الملكي السامي أمام القمة المغربية – الخليجية بالرياض في 2016، على ضرورة التوجه نحو إطلاق شراكات استراتيجية مع بلدان كالهند والصين وروسيا، في إطار سعي المملكة الحثيث إلى البحث عن شركاء جدد والانفتاح على مجالات سياسية جديدة وآفاق اقتصادية أخرى.

ومنذ الزيارة الملكية  للهند2015، ما فتئت علاقات التعاون والشراكة بين المغرب والهند تتطور وتتنوع، واضعة الأسس لشراكة قوية ومتميزة. وكثف البلدان أيضا في عام 2018، من تبادل الزيارات وإبرام عدة اتفاقات في مجالات استراتيجية مثل الدفاع والعدالة.

كما أُضفِيَ الطابع الرسمي على الشراكة الإستراتيجية مع المغرب، إذ تطورت الشراكة إلى تحالف استراتيجي، وقد تأكد هذا التحول من خلال توقيع كثير من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم عبر مجموعة متنوعة من القطاعات. وتشمل مجالات التعاون الرئيسة مكافحة الإرهاب، والأمن السيبراني، والزراعة، والتدريب المهني، والدفاع.

إن خطة المغرب لتطوير صناعته العسكرية تشكل فرصة للهند لتعزيز علاقاتها مع الدولة الواقعة في شمال إفريقيا، وبالفعل تتخذ الدولتان خطوات لتعزيز تعاونهما الدفاعي؛ ففي عام 2023، اشترى المغرب (92) شاحنة عسكرية ذات ست عجلات من طراز “LPTA 244” من الهند، تصنعها شركة تاتا الهندية المصنعة للمعدات الدفاعية، ويمكن استخدام هذه الشاحنات في تطبيقات عسكرية مختلفة.[1]

العلاقات المغربية و رابطة دول جنوب شرق آسيا

تجسيدا لسياسة المغرب الرامية إلى تنويع شراكاته والانفتاح على التكتلات الاقتصادية في مختلف القارات، منحت رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) الرباط صفة “شريك الحوار القطاعي” لديها كأول دولة إفريقية تنال هذه الصفة. وذلك خلال الاجتماع الـ56 لوزراء الشؤون الخارجية بالدول الأعضاء في الرابطة المنعقد يومي 11 و 12 يوليوز 2023 في جاكرتا بإندونيسيا. وتشكل هذه الشراكة فرصة لتعاون جوهري قائم على مقاربة رابح-رابح، التي توجد في صميم سياسة التعاون جنوب-جنوب التي يحث عليها المغرب، تحت القيادة المتبصرة للملك محمد السادس.

فالمغرب مستعد لتبادل خبراته وتجاربه مع الدول الأعضاء في رابطة دول جنوب شرق آسيا في المجالات التي تحظى فيها المملكة باعتراف دولي، من قبيل الفلاحة والأمن الغذائي والصيد البحري ومكافحة التلوث البحري والتجارة، وإنعاش الاستثمار، والسياحة.

كما أن مجلس النواب المغربي يحظى بصفة “عضو ملاحظ” داخل الجمعية البرلمانية لرابطة دول جنوب شرق آسيا. وقد تم الإعلان عن قبول عضويته خلال الدورة الواحدة والأربعون للجمعية المنعقدة بالعاصمة الفيتنامية هانوي في شتنبر 2020، وهو ما شكل إنجازا مهما باعتبار مجلس النواب الوحيد إفريقيا و عربيا الذي يحظى بعضوية هذه الهيئة البرلمانية الأسيوية، وذلك بالنظر للأدوار الطلائعية التي تقوم بها المملكة كقاطرة تواصل وتعاون بين دول إفريقيا وجنوب شرق أسيا لإشعاع الأمن والاستقرار وتعزيز التنمية والازدهار الاقتصادي والاجتماعي .

كما عززت الرباط وجودها في الهيئات الإقليمية الأخرى في جنوب شرق آسيا، خاصة تلك المرتبطة مؤسسيا أو جغرافيا بالآسيان. وقد وقعت الرباط، في سنتي 2017 و2022، مذكرتي تفاهم مع لجنة نهر الميكونغ التي تضم كمبوديا ولاوس وتايلاند وفيتنام.

ان المملكة من خلال سياستها الخارجية التي تقوم على تنويع الشراكات، انطلقت نحو الشرق الأقصى معتمدة على المبدأ المؤسس لسياستها الخارجية، وهو التعاون المتبادل ، منتقلة  من نيودلهي إلى طوكيو، مرورا ببكين وسيول، تحدوه إرادة واحدة، وهي وضع العلاقات الاقتصادية مع دول المنطقة على مسار مستدام، لا سيما في المجالات التي تمثل قوة الاقتصاد الحديث، من بينها صناعة سيارات الطاقة الجديدة، والطاقات المتجددة، أو التكنولوجيات الجديدة.

      وباعتبار المملكة  بوابة إفريقية بامتياز، تفرض الرباط  نفسها اقتصاديا و إقليميا، وهو توجه تمكنت المملكة من تعزيزه وترسيخه بفضل جهود التنمية الدؤوبة التي تحظى بالاحترام والإعجاب في جميع أنحاء العالم.

    وهكذا، سواء في الصين أو  اليابان، أو في كوريا الجنوبية، يتم الحفاظ على الزخم ذاته، وهو تطوير علاقات الشراكة التي وقعتها المملكة نحو آفاق واعدة.

و رغم ان المغرب يرتبط باتفاقيات شراكة إستراتيجية مع عدد من الدول في  منظمة بريكس التي تأسست عام 2006،

 التي ازداد عدد أعضائها عام 2024 بعد انضمام كل من السعودية، الإمارات، مصر، إيران، إثيوبيا.

 إلا انه في نظري يمكن له ان يطمح ان يقدم الطلب مستقبلا للانضمام الى هذه المنظمة في إطار تنويع شراكاته الاستراتيجية  مع أخذ بعين الاعتبار توازنات المغرب الاستراتيجية مع الولايات المتحدة و الاتحاد الأوروبي.

كما أقترح تأسيس كلية للدراسات الأسيوية تضم تخصصات تتمثل في الدراسات الأسيوية، والاقتصادية الأسيوية والدبلوماسية الاسيوية والسياسية الاسيوية والثقافية الاسيوية والإعلامية الاسيوية، العلاقات المغربية الاسيوية.

 

[1]  -محمد شلش ، الهند- المغرب.. تنامي التعاون في التصنيع العسكري ، تاريخ النشر :16/01/2025 https://eurasiaar.org/
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.