بفضل السياسة الصريحة والصارمة التي تبناها جلالة الملك في ملف قضية الصحراء المغربية ، والمتمثلة من جهة في جعل من الاقتصاد قاطرة وأساس الديبلوماسية ومن الأوراش التنموية الكبرى المهيكلة آلية محفزة وعملة جديدة للتعامل مع الدول تحفظ للمغرب مصالحه وسيادته ، ومن جهة أخرى تشديد الخناق على الدول وخاصة الدول الكبرى ورفض كل أنواع التعامل مع الدول التي لها مواقف رمادية من مغربية الصحراء .
وهذه السياسة الصريحة الصارمة دفعت بالعديد من الدول إلى سحب اعترافها بما يسمى الجمهورية الصحراوية وبالمبادرة إلى فتح قنصليات لها بمدن الصحراء المغربية ، كما دفعت الدول العظمى على رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية وإسبانيا وألمانيا بالاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه وبالإشادة بمقترح الحكم الذاتي المغربي باعتباره الحل الوحيد.
وكل هذه التطورات والمتغيرات أعطت دفعة قوية لبعض الدول كفرنسا من أجل مراجعة أوراقها في تعاملها مع المغرب ومن تعاملها مع ملف قضية الصحراء المغربية على الخصوص ، فعلى إثر زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للمغرب والتي دامت 3 أيام من 29 أكتوبر إلى 30 منه من سنة 2024 ، اعترفت فرنسا أخيرا على لسان رئيسها بسيادة المغرب على صحرائه معتبرة أن الحاضر والمستقبل في الصحراء يندرجان تحت سيادة المغرب .
وما زاد من قوة الاعتراف الفرنسي بسيادة المغرب على صحرائه هو كونه من جهة ، صادر عن دولة عظمى ومن أحد دول الأعضاء الخمس الدائمين بمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ، ومن جهة أخرى ، تزامن الاعتراف الفرنسي بسيادة المغرب على صحرائه ( أولا ) مع تجديد مجلس الأمن لولاية المينورسو لمدة عام بالمناطق الجنوبية للمملكة ( ثانيا ) .
أولا : اعتراف فرنسا بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية .
بعد سنوات من الأزمة والتوترات الدبلوماسية والتي قاربت مدة 3 سنوات ، أخيرا حسمت فرنسا موقفها وقررت الاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه ، حيث قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يوم الثلاثاء 29 أكتوبر 2024 في كلمة له أمام البرلمان المغربي ” إن الحاضر والمستقبل في الصحراء يندرجان تحت سيادة المغرب ، وأن الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية هو الإطار لحل هذا النزاع ، وأن هذا الموقف سوف تسعى دولة فرنسا لتنفيذه والتي ستقف فيه إلى جانب المغرب في المحافل الدولية “. وأضاف ” …إن المشغلين الفرنسيين والشركاء الفرنسيين سوف يواكبون تطوير هذه الأراضي ( الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية ) من خلال الاستثمارات ، وأن الاستثمارات العمومية لبلاده ستستمر بالمغرب بما فيه الأقاليم الصحراوية ” .
ونستشف من مضمون خطاب الرئيس الفرنسي أنه يحمل دعما صريحا للوحدة الترابية للمغرب ولسيادته على أقاليمه الصحراوية ، وأن لدولة فرنسا رغبة حقيقية وقوية في تعزيز الشراكة الاستراتيجية مع المغرب، وفي إعطاء دفعة قوية للتعاون الثنائي ترقى إلى تطلعات شعبي و قائدي البلدين ، ويؤسس لصفحة جديدة للعلاقات المغربية الفرنسية.
وفيما يخص الجانب الاقتصادي والأعمال ، وفي كلمة ألقاها الرئيس الفرنسي أمام أرباب العقارات والفاعلين الاقتصاديين في ختام لقاء ” ريادة الأعمال المغرب- فرنسا” بقوله ، ” أن المملكة المغربية هي ” الزبون الأول ” للوكالة الفرنسية للتنمية من حيث الاستثمارات ، مضيفا أن الوكالة سوف تواصل تمويل المشاريع بالمملكة بما فيها تلك التي تنجزها المقاولات الفرنسية بالصحراء ” .
وهذا يعني أن فرنسا لها رغبة قوية في رفع سقف الشراكة بين البلدين وهو ما تجسد من خلال التوقيع على 22 اتفاقية بين المملكة المغربية والجمهورية الفرنسية تشمل مختلف المجالات الاقتصادية والبيئية والأكاديمية والثقافية و تبرز الأسس القوية التي تستند عليها العلاقة الإستثنائية بين البلدين ، وأن هذه الشراكة سوف تشكل دعامة أساسية للتنمية الاقتصادية والسلام والإستقرار في المنطقة ، خاصة وأن الرئيس الفرنسي وجه دعوة إلى المستثمرين الفرنسيين للاستثمار في الصحراء باعتبارها همزة وصل بين أوروبا ومنطقة البحر الأبيض المتوسط وشمال إفريقيا ، وبهذا يكون الموقف الرسمي الفرنسي الحاسم قد تجاوز مواقف دول عظمى كالولايات المتحدة و بريطانيا و إسبانيا.
وإن كان تحول موقف فرنسا من اللون الرمادي إلى اللون الأبيض الناصع يدل على شيء ، فإنما يدل على أنها خبرت مصلحتها الاقتصادية أخيرا بعدما تراجعت استثماراتها بالمغرب مقارنة مع تصاعد استثمارات دول أصبحت صديقة للمغرب بفضل موقفها الصريح من مغربية الصحراء.
ثانيا : تكريس مجلس الأمن لسمو مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية .
بعد مضي 72 ساعة على اعتراف دولة فرنسا بسيادة المغرب على صحرائه ، قرر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يوم الخميس 31 أكتوبر 2024 تجديد ولاية المينورسو لمدة سنة ، حيث جاء في نص القرار رقم ( 2756 ) ، الذي صاغته الولايات المتحدة الأمريكية ، أن مجلس الأمن ” يقرر تمديد ولاية المينورسو إلى غاية 31 أكتوبر 2025″.
و جددت الهيئة التنفيذية للأمم المتحدة ، في هذا القرار، تأكيد دعمها للمبادرة المغربية للحكم الذاتي ، التي قدمتها المملكة في سنة 2007، باعتبارها أساسا جادا وذا مصداقية من شأنه طي النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية ، كما تنص على ذلك قرارات مجلس الأمن. كما جدد المجلس دعمه لجهود الأمين العام للأمم المتحدة و مبعوثه الشخصي إلى الصحراء المغربية ، الهادفة إلى الدفع قدما بالعملية السياسية في أفق التوصل إلى حل واقعي و عملي و دائم، قائم على التوافق .
من جانب آخر، أشادت الهيئة الأممية التدابير والمبادرات التي اتخذها المغرب، و بالدور الذي تضطلع به لجنتي المجلس الوطني لحقوق الإنسان في الداخلة والعيون، وبتفاعل المملكة مع آلية الإجراءات الخاصة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
وفي قرارها الجديد الذي تم تبنيه ب 12 صوتا وامتناع عضوين عن التصويت و”عدم مشاركة ” عضو غير دائم في التصويت ، يتعلق الأمر بالجزائر، جددت الهيئة التنفيذية،”بشدة”، طلبها بشأن “تسجيل” الساكنة المحتجزة في مخيمات تندوف، جنوب غرب الجزائر.
و في مستهل هذه الجلسة ، تلقت الجزائر الطرف الرئيسي في النزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية، انتكاسة جديدة، بعد رفض أعضاء مجلس الأمن تعديلين حاولت إدخالها على مشروع القرار.
ونستخلص مما سبق أن القرار ( 2756 ) لسنة 2024 هو استمرار لقرارات 2021 و 2022 و 2023 و يدعو إلى حل “سياسي” يقوم على التسوية و الواقعية ، مع الترحيب والإشادة بمقترح الحكم الذاتي المغربي .
خاتمة القول باعتراف دولة فرنسا بسيادة المغرب على صحرائه إلى جانب دول عظمى كالولايات المتحدة الأمريكية وإسبانيا وبريطانيا والتمديد لبعثة المينورسو لغاية 31 أكتوبر 2025 مع الإشادة بمقترح الحكم الذاتي المغربي يكون ملف قضية الصحراء المغربية قد انتقل فعلا من مرحلة التدبير إلى مرحلة التغيير .