تظلمات السجناء على ضوء التشريع المغربي

0

 

مراد علوي 

باحث في العلوم القانونية

كلية العلوم القانونية و الإقتصاديةو الإجتماعية أكدال

جامعة محمد الخامس بالرباط

 

تقديم

يعتبر السجن مؤسسة لتنفيذ العقوبات القضائية النافذة على الأشخاص المنحرفين المحكومين، فدور السجن الأساسي هو دور تنفيذي للعقوبة، لحماية المجتمع وضمان أمنه وسلامته وطمأنينته ، بمعنى أن السجن اليوم يعد وسيلة وقائية من الجريمة ، وأداة لتقويم السجناء وتهيئتهم للاندماج في المجتمع بعد الإفراج عنهم ، لكن ما نعيشه اليوم خاصة و أن المجتمع  المغربي لم يعد يولي أهمية كبيرة لهذه الفئة ، شيء الذي يضعنا أمام التساؤل، حول أداور هذه المؤسسات و فعاليات المجتمع المدني التي تعنى بحياة السجين ، فما ذنب الذي ارتكبه السجين بغض النظر عن الفعل الجرمي الذي ارتكب ، و أحيانا قد يجد الإنسان نفسه خلف أسوار السجن و لا يعلم ما الخطء الذي ارتكبه ، و هنا  نعود بذاكرتنا إلى نهاية الثمانينيات للتعمق فى دراسات عالم شهير فى علم الجريمة، وهو تشيزرى لومبروزو Cesare Lombroso، العالم و الطبيب الإيطالى الشيهر، الذى وضع أسس لنظريات دراسة سلوك المجرمين، للوصول إلى اعتقادات تثبت للجميع أن المجرم ولد ليكون كذلك، والذى يعد صاحب الفضل فى نشأة المدرسة الوضعية فى نظريات تفسير السلوك الإجرامى  وقد تميزت مدرسة لومبروزو بالتصنيف الخماسي للمجرمين و هنا نتحدث عن المجرم بالصدفة : هو شخص سوي يندفع للجريمة نتيجة تأثير عامل خارجي استثنائي يخل بتوازنه الداخلي بين القوة الدافعة للجريمة والمانعة لها، خشية عقاب الدنيا أو عذاب الآخرة .

 وإذا كان السجن في الماضي عبارة عن مكان مخصص لتنفيذ العقوبة السالبة للحرية، فإنه في الوقت الحاضر أضحى السجن وسيلة للإصلاح والتأهيل ، بواسطة وسائل التربية والتهذيب، والتقليل من الإيلام والاقتصار على القدر اللازم منه لتحقيق الأهداف المتوخاة من الإصلاح والتأهيل، ومن أهم الأساليب التي استعان بها السجن الحديث على ذلك هي عقوبة العمل ليس بالمعنى الحرفي للكلمة ، على اعتبار أن العمل في هذه الحالة يكتسي صبغة اجتماعية وليس عقوبة إضافية للعقوبة الأصلية المحكوم بها على السجين .

و جاء  المشرع المغربي في المادة الأولى من قانون رقم 98-23 يتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية ، بأنه : ” يعتبر معتقلا بمفهوم هذا القانون، كل شخص اتخذ في حقه تدبير سالب للحرية وتم إيداعه داخل مؤسسة سجنية.

 ـ يعتبر معتقلا احتياطيا، كل معتقل لم يصدر في حقه مقرر قطعي بالإدانة، سواء كان ظنينا أو متابعا أو متهما.

ـ يعتبر مدانا، كل شخص معتقل صدر في حقه مقرر قطعي بعقوبة سالبة للحرية.

ـ يعتبر مكرها بدنيا، كل شخص اعتقل في نطاق مسطرة الإكراه البدني .

أما الإطار القانوني فقد عرف السجن من خلال المنظور القانوني لهاته المؤسسة باعتبارها هي المكان المخصص لتنفيذ العقوبات السالبة للحرية ويعتبر اتجاه هذه المدرسة هو السائد حاليا استنادا إلى وظيفة السجن والتي تعتبر مكانا مخصصا لتنفيذ العقوبات السالبة للحرية الهدف منها هو إعادة إدماج نزلائه لانحرافاتهم السابقة ليخرجوا من جديد أفرادا صالحين وفي المغرب وباعتباره دولة إسلامية كانت وما تزال تعتبر امتدادا للرقعة الإسلامية،  بحيث كان الملوك المغاربة على مر العصور يعتمدون على مبادئ الشريعة الإسلامية وعلى مذهب الإمام مالك تسير أمورها الدينية والدنيوية، وهكذا فقد كانت السجون تخضع لمبادئ الشريعة الإسلامية وكان الهدف من وراء ذلك هو التهذيب والتأهيل بحيث كانت لسجون خاضعة في هذه الفترة لسلطة العامل أو القائد، إلا أنه مع دخول المستعمر الأجنبي حاول وضع مجموعة من الترسانات القانونية وذلك من أجل تنفيذ أجندته الخاصة.

جاء هذا القانون بعد حقبة من الزمن قد تصل سنوات و التي كان فيها العمل جاريا بقانون كلنا نعرف الظروف والاهداف التي صيغ من أجلها في فترة كانت سلطات الحماية تحاول تعزيز مراكزها وإحكام الضغط على كل تحرك يهدف إلى المس بالأبعاد الاستعمارية دون مراعاة لما تبقى لهم من حقوق وكرامة وكان للإصلاح مفهوم شاذ لم يعد له مكان في وقتنا الحاضر .

فكانت هناك ضرورة ملحة لأن يعاد النظر في هذا الإطار القانوني الذي ينظم السجون ويحدد علاقات الفاعلين  في الفضاء السجني، فإلى جانب تغير الظروف هناك تغير في فلسفة العقوبة ذلك أن السياسة الجنائية بالمغرب أصبحت تتوخى حماية المجتمع وإصلاح الجاني لتطويق ظاهرة العود وهذا يجب أن يرتكز على سياسة عقابية هدفها إعادة التربية وتسهيل و الازماج .

ويمكن القول أن منظمات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية كان لها دور كبير في  إخراج هذا القانون إلى حيز الوجود، بحيث أن هذا القانون أرسى مبادئ يمكن اعتبارها إيذانا بالدخول في عهد جديد يقوم على احترام حقوق الإنسان والحفاظ على كرامته ولو كان مجرما وهو ما أكده صاحب الجلالة المغفور له الحسن الثاني في خطابه بمناسبة  إحداث المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان ” من المعلوم أن للمواطنين حقوقا حتى من أدينو في المحاكم يجب أن يكونوا في مأمن من الجوع والمرض ومن التعسفات ويجب أن يتمتعوا بصلة الرحم مع ذويهم وأن يتكنوا من الدواء وزيارة الطبيب إذا اقتضى الحال بل يجب على النظام القضائي والدولة أن تحيطهم بكل ما من شأنه أن يمكنهم من الكرامة”.

بالإضافة إلى عدد من تصريحات الحكومية تدعي على أن  السجون ليست فقط مراكز للاعتقال بقدر ما هي فضاء لإعادة التربية وإعادة الإدماج الاجتماعي وهذا يستلزم مجهودات كبيرة تتعلق ليس فقط بالبنيات والتجهيز والتأطير بل يتطلب إعادة النظر في بعض جوانب السياسة الجنائية للحد من ظاهرة الإجرام.

فهذا التصريح يبين الأهداف التي يريد المشرع الوصول إليها من خلال وضع النصوص المواكبة له سواء ما يتعلق بالجانب التطبيقي أو لتعميق فهم النص.

واستنادا إلى ارتباط المغرب بمجموعة من التعهدات والاتفاقيات الدولية سواء مع مختلف الدول الصديقة أو مع  المنظمات الدولية بمختلف أنواعها وتشعب مشاريعها وما عرفته من تطور وتقدم ملموس أفرض نفسه بإلحاح على مستوى تنظيم المؤسسات المشرفة على المؤسسات السجنية وعلى القوانين المنظمة لها وألزم عليها ضرورة مسايرة هاته الاتفاقيات ولهاته الغاية.

تظلمات السجناء

أولا : شكايات السجناء

ـ لكل نزلاء المؤسسات السجنية باختلاف وضعياتهم احتياطيين كانوا أو مدانين أو مكرهين بدنيا أن يرفعوا تظلماتهم أو شكاياتهم إلى النيابة العامة المختصة وذلك بواسطة إحدى الوسائل الآتية:

ـ  المؤسسات السجنية.

ـ  البريد العادي أو المضمون.

ـ  بواسطة ذويهم.

ـ  شفويا أمام وكيل الملك.

ثانيا : معالجة تظلمات وطلبات السجناء

تسجل هذه التظلمات والطلبات بسجل خاص بها. وتتم دراستها من قبل وكيل الملك أو أحد نوابه مراعاة لوضعية النزلاء ولظروف الاعتقال يتم الاستماع إليهم عبر إحدى الوسائل الآتية :

ـ  الانتقال الشخصي لنائب وكيل الملك إلى مقر المؤسسة السجنية المتواجد بها النزيل والاستماع إليه في محضر قانوني.

ـ  تكليف الشرطة القضائية بالاستماع إليه في محضر وتضمين ورقة الارسال محتوى التعليمات مع الترخيص لها بولوج المؤسسة السجنية.

ـ  إحضار النزيل المشتكي بواسطة القوة العمومية طبقا للضوابط التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل إذا اقتضى موضوع الشكاية ذلك .

ـ  تكليف مدير المؤسسة السجنية بإعداد تقرير مفصل حول موضوع الشكاية سيما عندما يتصل بوقائع أو أحداث حصلت داخل السجن (شجار بين النزلاء، إدعاء سوء المعاملة…

– إشعار النزلاء في جميع الأحوال بمآل شكاياتهم فور اتخاذ القرار المناسب بشأنها.

ثالثا : تقديم تظلمات أمام رئاسة النيابة العامة .

– يمكن لجميع نزلاء المؤسسات السجنية بالمملكة رفع تظلماتهم وطلباتهم إلى رئاسة النيابة العامة مباشرة بواسطة البريد العادي أو المضمون أو عن طريق إدارة المؤسسات السجنية أو بواسطة أقاربهم أو دفاعهم .

ـ  يتم إشعار المشتكي بالقرار المتخذ بشأن تظلمه أو طلبه .

كخلاصة القول فإن النظام التأديبي للسجناء وإن كان يحمل مجموعة من الضمانات من أجل تأديبه فإنه لا يرقى إلى مستوى المحاكمة العادلة والتي تضمن للسجناء كرامتهم وتعزز في نفوسهم الثقة بأنه بالفعل القصد من العقوبة السالبة للحرية التي يقضونها في السجن هي من أجل الإصلاح والتهذيب.

لائحة المراجع :

ـ محمد مفتاح البقالي : “مؤسسة السجون في المغرب”، دراسة تأصيلية شاملة لمؤسسة السجون في المغرب من الناحية التاريخية والقانونية والتشريعية والتنظيمية والإصلاحية والاجتماعية ـ الرباط ـ المغرب.

ـ عالم  و طبيب إيطالي، تشيزرى لومبروزو : ” مؤسس نظرية ” الرجل المجرم ” .

ـ حمد مفتاح البقالي : “مؤسسة السجون بالمغرب”،الطبعة الثانية مزيدة ومنقحة ، ومضاف إليها 1989 ، منشورات عكاظ .

ـ عبد العلي حفيظ : “صلاحية تطبيق قاضي العقوبات في القانون المغربي”،الطبعة الأولى المطبعة والوراقة الوطنية ، زنقة أبو عبيدة ـالحي المحمدي،مراكش.

ـ هشام ملاطي ، مساهمة القاضي في حل أزمة السجون بالمغرب،تقديم الاستاد،محمد عبد النباوي ، مدير إدارة السجون وإعادة الإدماج ، الطبعة الأولى سنة 2007  .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.