توقعات ستراتفور: الاتجاهات العالمية والإقليمية المحتملة في عام 2022
عرض: إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية
تحوم حالة من الضبابية حول مستقبل التطورات الإقليمية والعالمية خلال عام 2022، وهو أمر مدفوع بدرجة أساسية بديناميكية التطورات الحالية، خاصةً في ظل ما تفرضه جائحة كورونا من تداعيات مختلفة على الأوضاع الداخلية والخارجية للعديد من دول العالم. وفي ضوء هذا، فقد طرحت مؤسسة “ستراتفور” توقعاتها عن أبرز الاتجاهات العالمية والإقليمية المحتملة في عام 2022، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو حتى عسكرية في مناطق العالم المختلفة، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:
1- تباطؤ انتعاش الاقتصاد العالمي: لفت التقرير إلى أن الاقتصاد العالمي سيواصل انتعاشه غير المتكافئ، وسط التقدم في تطعيمات كوفيد 19 في معظم البلدان المتقدمة، مع خطر تفشي الأمراض الجديدة. وفي حين أن النمو العالمي سيكون قوياً نسبياً، فمن المرجح أن يتباطأ اعتباراً من عام 2022؛ بسبب الانتكاسات الناجمة عن الوباء، والاضطرابات المستمرة في سلسلة التوريد، وارتفاع التضخم، وتشديد الأوضاع المالية، فضلاً عن القيود المفروضة على الإنفاق العام في العديد من البلدان؛ لأنها تتعامل مع مستويات عالية من الديون وزيادة أسعار الفائدة.
وحسب التقرير، سيتراجع النمو في الولايات المتحدة في عام 2022 بعد تحفيز مالي غير مسبوق في 2020–2021. ومن المحتمل ألا تشعر الولايات المتحدة بتأثير زيادة الإنفاق على البنية التحتية إلا بعد عام 2022. وبالإضافة إلى ذلك، فإن التحفيز المالي، فضلاً عن السياسة النقدية المتراخية، قد تركا الولايات المتحدة على مسار نمو مرتفع، لكنه غير مستدام من شأنه أن يزيد التضخم ويقود مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي إلى زيادة أسعار الفائدة بدءاً من عام 2022؛ ما سيؤدي إلى إبطاء توسع الناتج المحلي الإجمالي.
ومن المرجح أن تؤدي معدلات التطعيم المنخفضة والمشكلات الواسعة النطاق التي أدت إلى انخفاض الإنتاج، إلى تأخير العودة إلى مستويات الناتج المحلي الإجمالي قبل انتشار الوباء في العديد من الأسواق الناشئة والبلدان النامية. وبالإضافة إلى ذلك، فإن المتحور أوميكون والمتحورات المحتملة الأخرى لكوفيد–19، من المحتمل أن تؤدي إلى تفاقم اختناقات جانب العرض التي تؤثر على جميع الاقتصادات في جميع أنحاء العالم. ومن جانب آخر، توقع التقرير أن تتوسع الحملات التنظيمية في الصين لتشمل المزيد من الصناعات التي تعالج البيانات، وتوفر السلع والخدمات الأساسية، وتؤدي إلى تفاقم المخاطر الاقتصادية وتتحدَّى التحفظ الثقافي في بكين؛ ما يزيد عدم اليقين التجاري العالمي ومخاطر الامتثال.
2– استمرار التوترات بين الولايات المتحدة والصين: وفق التقرير، فمن المرجح أن تزداد التوترات الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين في عام 2022؛ حيث تُقيد الولايات المتحدة وصول الصين إلى التكنولوجيا الغربية، وتحافظ على الرسوم الجمركية المرتفعة على السلع الصينية، كما أظهرت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن القليل من الاستعداد لتخفيف بعض القيود التي فرضها أسلافه على التجارة الصينية. ومن المتوقع، حسب التقرير، أن توسع الولايات المتحدة أيضاً بعض قيودها على وصول الصين إلى التكنولوجيا الأجنبية، لا سيما في قطاعات التكنولوجيا الفائقة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي والروبوتات وأشباه الموصلات. ولن تؤدي استراتيجية الولايات المتحدة إلا إلى مضاعفة الصين استراتيجيتها القومية الخاصة بالتقنية؛ ما يجعل بيئة الأعمال الصينية أكثر تعقيداً بالنسبة إلى الشركات الغربية.
3– تصاعد الهجمات الإلكترونية حول العالم: حسب التقرير، ستنمو الهجمات الإلكترونية ذات الدوافع المالية بسرعة في عام 2022، خاصةً أن المجرمين يستهدفون بدرجة متزايدة أجهزة الجيل الخامس والحوسبة السحابية وإنترنت الأشياء؛ ما يتسبب في مزيد من الاضطرابات وزيادة متطلبات الأمن السيبراني الجديدة في الدول الغربية. ووفقاً للتقرير، لن يؤدي الضغط الدبلوماسي الأمريكي على الكرملين وإنفاذ القانون للقضاء على عصابات برامج الفدية الروسية، مع ضغوط العمليات الإلكترونية الهجومية على مجرمي الإنترنت؛ إلى تقليل العدد المتزايد للهجمات الإلكترونية (لا سيما هجمات برامج الفدية) ضد المنظمات الأمريكية.
وسيؤدي النمو في هجمات برامج الفدية إلى وضع لوائح جديدة حول مدفوعات الفدية ومتطلبات الأمن السيبراني؛ ما يضيف المزيد من العقبات التنظيمية وزيادة تكاليف الامتثال للعديد من المؤسسات الغربية. وستؤدي متطلبات الأمن السيبراني القوية للولايات المتحدة، وحملات الانتقام الأمريكية، إلى قيام منظمات الجريمة الإلكترونية بتوسيع آفاقها لتشمل أماكن أخرى. ووفقاً للتقرير، سيرتفع عدد الهجمات في مناطق أخرى، بما في ذلك أوروبا، والشرق الأوسط، وآسيا وجنوبها، والمحيط الهادئ؛ إذ ستصبح فيروسات الفدية التي أصابت الولايات المتحدة عالمية النطاق، فيما ستستمر الجهود المتعددة الأطراف للحد من هذا الأنشطة.
4– احتمال التوصل إلى صفقة نووية محدودة بين واشنطن وطهران: من المرجح أن تسفر المحادثات بين الولايات المتحدة وإيران عن اتفاق محدود يضمن أن تُخفض طهران بعض أنشطتها النووية مقابل تخفيف العقوبات؛ إذ إن رغبة الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين القوية في إبطاء البرنامج النووي الإيراني، بجانب رغبة طهران القوية في تخفيف العقوبات وتجنب صراع كبير؛ ستظل تدفع كلا الجانبين إلى العودة إلى طاولة المفاوضات. وحسب التقرير، فإن المحادثات النووية ستستمر في التقدم ببطء في بيئة متوترة مدفوعة بأولويات متباينة تجعل الاتفاقات الأساسية ممكنة فقط. ومن المرجح أن تشهد مثل هذه الصفقة المحدودة إما قيام الولايات المتحدة بإلغاء تجميد بعض الأصول الإيرانية مقابل وقف إيران تطوير البرنامج النووي، أو عودة الولايات المتحدة وإيران إلى مستوى الامتثال للاتفاق النووي لعام 2015 المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA).
5– اتساع دائرة عدم الاستقرار في أفغانستان: وفقاً للتقرير، ستواجه طالبان ضغوطاً اقتصادية واجتماعية وعسكرية كبيرة وهي تحاول إحكام سيطرتها على أفغانستان، ولكن سيكافح قادتها في أفغانستان لتحقيق التوازن بين التوقعات المحلية والأجنبية أثناء قيامهم بصياغة أنظمة جديدة وإضفاء الطابع الرسمي على حكومة جديدة وهيكل دستوري. وحسب التقرير، ستكون ولاية خراسان الإسلامية التابعة للدولة الإسلامية التهديد المحلي الأكثر إلحاحاً؛ حيث من المرجح أن يوسع التنظيم عملياته إلى ما وراء شمال شرق أفغانستان وإلى مدن رئيسية في الجنوب والغرب. ومن جانب آخر، إذا فشل تكوين الحكومة الجديدة في تحقيق التوازن الفعال بين مصالح الأقليات العرقية في أفغانستان والقبائل الريفية البشتونية المحافظة؛ فقد يؤدي ذلك إلى توسيع عدم الاستقرار الاجتماعي في المدن بجميع أنحاء البلاد، بجانب نشاط موسع من كل من المتشددين الإسلاميين والمقاتلين المناهضين لطالبان.
6– اتساع الفجوة بين الصين وتايوان: حسب التقرير، ستزداد التوترات بين الصين وتايوان وسط تزايد الدعم الغربي لتايوان، لكن بكين لن تشن عملاً عسكرياً ضد تايوان، وستظل تجارة أشباه الموصلات العالمية في تايوان آمنة. ونظراً إلى محورية دور الولايات المتحدة وأوروبا في آسيا، فإن دعمهما سينمو لاستقلال تايوان الفعلي عبر حرية عمليات الملاحة، وتعزيز العلاقات الدبلوماسية (رغم أنها لا تزال غير رسمية)، فيما ستعاقب الصين أنصار تايوان في الغرب بقيود التجارة والاستثمار والحملات الدبلوماسية. ووفقاً للتقرير، ستفرض كل من تايوان والصين المزيد من القوانين السياسية ضد الأخرى، مثل جهود تايوان لوقف هجرة العقول في صناعات التكنولوجيا الحيوية إلى بكين، وسياسة الصين الجديدة لمعاقبة الشركات التايوانية. فيما ستتجنب بكين العمل العسكري الذي يمكن أن يعزل الصين دبلوماسياً ويهدد وصولها إلى صادرات أشباه الموصلات المتطورة في تايوان، التي تحتاجها الصين للصناعات التكنولوجية الهامة، مثل الذكاء الاصطناعي والمركبات الذاتية القيادة.
7– تزايد التعاون والتنسيق المشترك بين ألمانيا وفرنسا: من المتوقع أن يزداد تنسيق السياسات بين فرنسا وألمانيا؛ ما يفتح الباب أمام قواعد مالية أكثر مرونة في الاتحاد الأوروبي، واستمرار الدعم لانتقال الطاقة، ونهج أكثر حمائية للاستثمار. وسيؤدي التوافق الأيديولوجي الأكبر بين الحكومة المعتدلة في فرنسا والتحالف الألماني المؤيد للاتحاد الأوروبي؛ إلى تعاون سياسي أكثر اتساقاً مع إيطاليا وإسبانيا وحركة شاملة لمحورية قوة الاتحاد الأوروبي في جنوب القارة. كذلك من المتوقع، حسب التقرير، أن تدفع باريس وبرلين وروما ومدريد نحو جعل قواعد الديون السيادية والعجز المالي للكتلة أكثر مرونةً، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالإنفاق على الإصلاحات الصديقة للمناخ، ورقمنة الاقتصاد؛ الأمر الذي سيفتح الباب لفترة طويلة من السياسات الاقتصادية التوسعية.
8– تراجع احتمالات الغزو العسكري الروسي لأوكرانيا: من المتوقع أن تؤدي الخلافات حول “اتفاقيات مينسك” ومطالب روسيا بضمانات أمنية إلى تفاقم التوترات في شرق أوكرانيا، لكن الغزو الروسي لن يتحقق؛ إذ ستواصل روسيا حشدها القوات والبنية التحتية والمعدات بالقرب من حدود أوكرانيا للضغط على الغرب لتقديم تنازلات في محادثات الأمن الأوروبي. وأشار التقرير إلى أنه بينما ستجري الولايات المتحدة محادثات مع روسيا، لن يتنصل الناتو رسمياً من احتمال عضوية أوكرانيا في الحلف، لكن المناقشات حول نظام أسلحة معين بجانب تدابير تجنب الحوادث وإدارتها، ستَثني روسيا عن التدخل الجديد في أوكرانيا.
كذلك من المرجح أن تأذن موسكو للانفصاليين بالإبقاء على انتهاكات وقف إطلاق النار على نحو منتظم؛ لوضع كييف في مأزق؛ حيث يؤدي عملها وعدم تحركها إلى مخاطر سياسية وعسكرية. وإذا رد الجيش الأوكراني بقوة على القصف الانفصالي، يمكن لموسكو تصوير كييف على أنها المعتدي وتبرير التدخل الروسي. ولكن إذا لم تصعِّد أوكرانيا من قصفها المضاد، فسوف يعاني الجيش الأوكراني من خسائر غير متناسبة من شأنها أن تلحق الضرر السياسي بإدارة الرئيس فولوديمير زيلينسكي.
وختاماً، لفت التقرير إلى أن الحشد الروسي قد يدفع الغرب إلى دعم عسكري إضافي، وغير ذلك من صور الدعم لكييف أثناء تأسيس المحادثات الأمنية؛ الأمر الذي من شأنه أن يقنع موسكو بإجراء توغل عسكري ضد أوكرانيا. ويمكن أن يتضمن مثل هذا السيناريو محاولة للاستيلاء على أجزاء كبيرة من أوكرانيا واحتلالها، أو ينطوي على توغل محدود أو ضربات صاروخية تستهدف الجيش الأوكراني بهدف فرض تسوية سياسية.
المصدر:
2022 Annual Forecast: A Global Overview, Stratfor, December 20, 2021.