آفاق مالية الجماعات الترابية

0

مشعل الفاطمي /المغرب

مقدمة

اختار المغرب إبان الاستقلال العمل بنظام اللامركزية كنظام لتوزيع الاختصاصات والموارد بين الدولة والجماعات الترابية، وقد عرف هذا النظام مراحل متوالية من الإصلاحات والتحدي إلى حدود صدور دستور 2011 الذي كرس الجهوية المتقدمة في فصله الأول، مؤكدا على ان التنظيم الترابي للمملكة تنظيم لا مركزي يقوم على الجهوية المتقدمة” مسجلا بذلك نقطة تحول في تاريخ اللامركزية بالمغرب.

وتحتل مالية الجماعات الترابية مكانة مهمة ومحورية في التنظيم اللامركزي باعتبارها الوسيلة الأساسية لتنفيذ السياسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية على المستوى الترابي.

غير ان التدبير المالي المغربي تعترضه العديد من الاكراهات حاول المشرع المغربي تجاوزها من خلال إعلانه عن مجموعة من الإصلاحات والقوانين التنظيمية الجديدة والانفتاح على اليات الحكامة المالية.

وموازاة مع التغييرات التي لحقت ميزانية الجماعات الترابية أصدر المشرع على مستوى التنظيم الترابي المالي مجموعة من النصوص التشريعية والتنظيمية والتي ساعدت على تحسين وتطوير العمليات المالية، التي تشرف على ممارستها الجماعات الحضرية والقروية

 

غير ان تلك التعديلات بالرغم من أهميتها لم تكن كافية من اجل مواكبة الحاجات المتزايدة للجماعات الترابية في تدبير شؤونها اليومية لذا ووعيا بضرورة تمكين هذه الجماعات من نظام جبائي منتج يعتمد على تقنيات وأسالب حديثة في إقرار وتحصيل الضرائب والرسوم، ويتجاوز في الوقت ذاته سلبيات الأنظمة الجبائية السابقة عمد المشرع المغربي الى صياغة قانون جديد للجبايات المحلية، بتاريخ 21 نوفمبر 1989 للمساهمة في تطوير المردودية الضريبية للمجالس الجماعية ويعزز بالتالي الاستقلال المالي للجماعات الترابية.

ومن أجل تجاوز مختلف الإشكالات التي خلفتها الممارسات المالية الترابية، خاصة مع تحديث الترسانة القانونية الجبائية بدخول القانون 47.06 المتعلق بجبايات الجماعات المحلية حيز التطبيق في 2008، وعلى المستوى الإداري 78.00، المتعلق بالميثاق الجماعي، سنة 2009، جاء القانون رقم 45.08، المتعلق بالتنظيم المالي للجماعات المحلية ومجموعاتها لتحديد طبيعة الإصلاحات التي يتعين القيام بها لتحديث النظام المالي، وجعله اكثر ملائمة مع متطلبات الحكامة المالية الجيدة، للجماعات الترابية، كما تم تفعيل قانون خاص بالمحاسبة العمومية للجماعات المحلية سنة 2010،

ومع بروز النقاش حول الجهوية المتقدمة والتعديل الدستوري لسنة 2011، عملت الدولة على إعادة النظر في وحداتها الترابية، ليس فقط على مستوى توزيع الاختصاصات وتمكين الادارة اللامركزية واللاممركزة بإمكانية المبادرة، وما يرتبط به من أدوار جديدة ستلعبها الادارات الترابية مستقبلا بل أيضا على مستوى المقاربات والآليات المعتمدة في التدبير وذلك بتجاوز المقاربات التقليدية في تدبير الجماعات الترابية وإيجاد بدائل لتمويل وتنمية قدراتها المالية، مع التفكير في النتائج والأهداف.

فما هي اليات التدبير المالي التي اعتمدها المغرب في تدبير مالية الجماعات الترابية وماهي آفاقه؟

المبحث الأول: مفهوم وآليات تدبير مالية الجماعات الترابية

المطلب الأول: مفهوم ووظائف التدبير

إن موضوع التدبير المالي للجماعات الترابية يكتسي أهمية خاصة لكونه يأتي في سياق مواكبة الإصلاحات الكبرى التي يعرفها المغرب خصوصا مع صدور دستور 2011 والقوانين التنظيمية للجماعات الترابية والتي تهدف إلى اعتماد مبادئ الحكامة الجيدة كرافعة أساسية لتخليق مجال تدبير الشأن العام على المستوى الوطني والترابي، كما يعد موضوع التدبير المالي للجماعات الترابية موضوعا شائكا ومتشعبا لا يمكن دراسته فقط بالاقتصار على الجانب القانوني أو المؤسساتي وإنما يظل مفتوحا على جوانب أخرى،

لذلك فمعالجة هذا الموضوع يقتضي تحديد المفاهيم الرئيسية والتي بدونها سيستعصي فهم مضمونه وحل إشكالاته وعلى رأسها مفهوم التدبير.

الفقرة الأولى: مفهوم التدبير

حسب “أمان عبد المجيد”[1] فإن التدبير هو النشاط الذي يهدف إلى قيادة المنظمة نحو بلوغ الاهداف التي وجدت من أجلها، وذلك من خلال الاستعمال الامثل للموارد المالية والمادية والبشرية وقد أصبح مصطلح التدبير مفهوما مفتاحا في الولايات المتحدة الأمريكية مع نهاية الستينيات وعرف في بداية القرن كفن للتعامل وبكل بساطة فن الممكن، وحاليا يطبق التدبير كفن أو طريقة لقيادة مؤسسة ما من حيث إدارتها والتخطيط لتنميتها ومراقبتها بغية تحقيق أهدافها سواء تعلق الأمر بمؤسسة في القطاع الخاص أو العام

ويصنف التدبير إلى ثلاث مستويات وهي: التدبير الاستراتيجي، التدبير الإداري، التدبير العملياتي ويعتبر كل من “أليسيان” و “فوجير”  أن التدبير العملياتي عمليا هو تدبير عقلاني يقوم على ترشيد الفرق وقيادة المقابلات والاجتماعات والتفاوض والتواصل، بشكل يومي بالإضافة إلى تدبير الوقت ولا يعبر التمييز بين المستويات الثلاث للتدبير، عن أهمية مستوى ما مقارنة مع الآخر، إلا أن ذلك يساهم في تحديد مجال المسؤولية والمعرفة الجيدة للمؤهلات اللازمة بالنسبة لكل مستوى، فحسب “شوفالييه” هناك ثلاث تيارات فكرية تجسد تطور مفهوم التدبير، ويتعلق الأمر بالتوجه القانوني الذي يهتم أساسا بالظاهرة الإدارية انطلاقا من دراسة البنيات الإدارية والنصوص المنظمة للإدارة العمومية، أما التوجه لتدبير فيسعى إلى عقلنة عوامل الإنتاج، بهدف رفع المردودية للوحدة ككل، والإنتاجية بالنسبة لكل فرد، ثم التوجه السوسيولوجي، الذي يعتمد اساسا على مفاهيم ومناهج علم الاجتماع لمعالجة الظاهرة الإدارية وإذا كان التدبير يهدف بشكل عام إلى التوظيف الفعال للإمكانات والموارد لأجل تحقيق الأهداف المخططة للمنظمة، فإن مضمونه يختلف بين التوجيهين الأنجلوساكسوني والفرنسي، فالتدبير في ظل التوجه الانجلوساكسوني يتميز بمفهوم واسع، يأخذ بعين الاعتبار التأثير المحيط الداخلي والخارجي على المنظمة وله ثلاث مدلولات عامة ومتكاملة، فهو يفيد مجموع المعارف التي تهتم بتنظيم وتدبير المقاولة، ويفيد كذلك تطبيق هذه المعارف على عملية تجارية أو مقاولاتية، ويفيد في مرحلة ثالثة قيادة إدارية عملية التدبير نفسها. بينما يرى أنصار المنهج الفرنكفوني، أن مفهوم التدبير هو مفهوم انجلوأمريكي، ترجم غلى الفرنسية من قبل الإداريين، وهو مصطلح أوسع وأشمل، ويتضمن في طياته مفهوم التسيير، وتعرف المناجمنت (management ) بأنها الممارسة التي تتجه نحو تطبيق المكتسبات الفنية والمعرفية المرتبطة بالتوازي مع العلاقات الإنسانية والجماعية والبيئية المحيطة، والتدبير حسب التوجه الفرنسي يحيل على مجموع الوسائل المعتمدة والقواعد والإجراءات القانونية الواجب الالتزام بها عند مزاولة مهمة التدبير، وهو بهذا المعنى له بعد أحادي هو المطابقة، عكس مفهوم التدبير لذا المدرسة الانجلوساكسونية، فهو رباعي الأبعاد، يشمل المطابقة والاقتصاد والفعالية والنجاعة، عموما يمكن القول أن التدبير هو مرحلة متقدمة في مجال التسيير، على اعتبار أن مدلوله لا يتوقف عند مجرد الاهتمام بمجال التسيير، بل يشمل مجموع تقنيات التنظيم والتسيير والقيادة داخل المنظمة. والتدبير المطلوب هنا، يتوقف على درجة استيعاب أهمية مقومات التدبير الحديث، الذي ينطلق من فكرة محورية مفادها أن مناهج التدبير المعتمدة في القطاع الخاص يمكن نقلها وتطبيقها في القطاع العام هذا الأخير الذي أضحى غير فعال وأكثر بيروقراطية وصلابة، مكلف وغير مجدد ومطبوع بتسلسلية جد مركزية. كما أن الأمر لا يتوقف على التنصيص على بعض المقومات الحديثة للتدبير، بل غن الواقع يفرض ضرورة التكريس الفعلي والعملي لهذه المقومات والآليات اي الانتقال من موقف الشعار والخطاب إلى مرحلة العمل الممنهج الذي يعكس ثقافة التدبير الحديث، لذا كل متدخل في العمل التنموي، وبناء على ما تقدم فإن اعتماد آليات التدبير الحديثة داخل الوحدات الترابية يعني بالضرورة التفاعل الجدلي لستة عناصر وهي الإدارة والتخطيط والتنظيم والمراقبة ولانجاز والمسار التدبيري.

الفقرة الثانية: وظائف علم التدبير

للتدبير وظيفة مركزية تتمثل في الوظيفة الإدارية، لكن تتفرع عنها مجموعة من الوظائف الفرعية التي يمكن حصرها في: الوظيفة التقنية القائمة على التصنيع، والتحويل، والإنتاج، والوظيفة التجارية القائمة على الشراء والبيع والتبادل، والوظيفة المالية التي تتمثل في التوظيف الأمثل للموارد المالية، والوظيفة الأمنية التي تكمن في حفظ الأموال والأشخاص، والوظيفة الحسابية التي تعنى بحساب المداخيل والمصاريف بطريقة إحصائية.

ومن ناحية أخرى، يرى هنري فايول أن للتدبير أربع وظائف أساسية هي[2]:

1- التخطيط: يهدف التخطيط إلى رسم الخطة العامة التي توصل المدبر أو المؤسسة إلى تحقيق مجموعة من الأهداف، في ضوء الإمكانيات البشرية و المادية والمالية والظروف السياقية. هذا، وينبني التخطيط على مجموعة من الأبعاد، مثل: البعد الزمني (متى)، والبعد الغرضي (تحقيق الأهداف)، والبعد الشخوصي (من)، والبعد الكيفي (الطريقة والوسيلة)، والعراقيل الممكنة (العوائق).

2- التنظيم: الوظيفة الثانية للتدبير هي التنظيم، بمعنى تقسيم المنفذين إلى فرق عمل، والتنسيق بين أنشطتها، أي أن هذه الوظيفة تسعى إلى مساعدة الأفراد والجماعات لتحقيق أهدافها المشتركة، ولا تتحقق هذه الوظيفة إلا بتوفير الموارد البشرية والمادية والمالية والتقنية والوسائل الممكنة والنماذج المناسبة، ورصد مختلف التفاعلات الموجودة بين الأفراد والجماعات…

3- القيادة: يسعى المدبر إلى إدارة الموظفين الذين يقومون بمهمة تنفيذ الأعمال وتصريفها، والعمل على تطويرها، والرفع من وتيرة سرعتها بطريقة إيجابية. ومن ثم، تقوم وظيفتا التواصل والتحفيز بأدوار هامة على مستوى التدبير والقيادة والإدارة والإشراف والتوجيه. والهدف من ذلك كله هو تسهيل العمل، والرفع من وتيرة الإنتاج، وتخفيض تكلفته، وتحفيز العاملين من أجل تحقيق الأهداف المرسومة. ومن هنا، تتوفر في القائد المدبر مجموعة من الشروط: روح المبادرة والإبداعية، وقوة التأثير، وكفاءة التنبؤ، والمرونة، والصبر، والعمل بالأهداف، والتركيز على العمل بدقة.

4- المراقبة: تسعى المراقبة إلى اختبار الخطط المرسومة من خلال نتائجها المتحققة في علاقتها بالأهداف المسطرة. بمعنى أن المراقبة هي معالجة نقدية وسيرورة للبحث عن جودة الملاءمة بين العمل وأهداف المؤسسة. ويعني هذا كله أن مهمة المراقبة مبنية على قياس التقدم المتحقق عبر خطط ومستويات لتبليغ هدف معين، مع تبيان درجة الانحراف الحاصلة عن الوضعية الحالية والوضعية المرغوب في تحقيقها، بله عن رصد الأسباب والمعالجات الضرورية.

وعلى العموم، يرى هنري مينتزبيرج (Henry Mintzberg) بأن للتدبير أدوارا أساسية ثلاثة: دور علائقي، ودور إعلامي، ودور تقريري يتمثل في أخذ القرار الصحيح والصائب والحسم في ذلك.

 

 

المطلب الثاني: آليات تدبير مالية الجماعات الترابية

تعد آليات تدبير مالية الجماعات الترابية اهم مقومات التدبير التي ينبغي العمل بها كمنهجية عمل، يهدف من خلالها رفع مؤشرات الفعالية، الجودة والنجاعة بالجماعات المحلية. وجعلها قادرة على الإجابة على إشكاليات التنمية المحلية. وبالتالي الرفع من أدائها وجعله أكثر نجاعة وفعالية من حيث مساهمته في التوظيف الأمثل للإمكانيات المالية والتقنية والبشرية وتخطي تبديدها دون نتائج واضحة. والتحديد الدقيق للحاجيات ومجالات النقص وبالتالي تيسير مهمة اتخاذ قرارات وتدابير أكثر فعالية.

وللوصول الي الأهداف المنشودة من الجماعات الترابية لابد من تدعيم ففلسفة تتأسس على أدوات واليات تدبيرية تقليدية وحديثة

الفقرة الأولى: آليات التدبير التقليدية

ترتكز المقاربة التقليدية في تدبير ميزانيات الجماعات الترابية أساسا على المدخلات المالية والوسائل المتاحة، ودلك باعتماد المقاربة الميزانياتية المرتكزة على النتائج بالانتقال من التدبير بمنطق الوسائل الى التدبير بمنطق النتائج، وربط التدبير المالي ببرامج التخطيط حيت ان إعداد الميزانية المحلية بات مرتبطا بعملية التخطيط، تفعيلا لركائز الحكامة الجيدة المبنية على حسن تدبير الموارد المتاحة للجماعة وتقليص مصاريف التسيير التي تهيمن على الميزانيات المحلية التي لا تترك هامشا كبيرا للاستثمار والتدخل الاقتصادي. بالإضافة الى الرفع من جودة التدبير حسب الأهداف، من خلات تحويل الأدوار التنموية للجماعات الترابية إلى برامج ومشاريع حقيقية قابلة للتنفيذ، وذلك من خلال هيكلة الميزانية حول البرامج والمشاريع، والبرمجة بعيدة المدى والأخذ بعين الاعتبار معيار النوع في تحديد الأهداف والمؤشرات. الى جانب العمل بآلية التدقيق الداخلي من خلال تحكمها في الجوانب المالية والمحاسبية أو التنظيمية للجماعة.

وتعتبر الرقابة من بين أهم الاليات المكونة للحكامة المالية، فهي الأداة الناجعة لحماية الاموال العمومية والوسيلة الفعالة للتأكد من حسن استخدامها في الأغراض المخصصة لها، وقد نصت القوانين التنظيمية للجماعات الترابية على اعتماد هذه الآلية في المراقبة، وأوجبت القوانين على الجماعات الترابية تحت إشراف رؤساء مجالسها باعتماد التقييم لأدائها والمراقبة الداخلية والافتحاص.[3]

ويأتي تفعيل دور الأجهزة الرقابية (المجالس الجهوية للحسابات، المفتشية العامة للمالية، المفتشية العامة للإدارة الترابية، مفتشية المالية المحلية والخزينة العامة للمملكة) في الجماعات الترابية لتحقيق الأهداف المتوخاة وإقامة تدبير جيد.

فالمجالس الجهوية للحسابات وطبقا لمقتضيات الفصل 149 من دستور 2011، تتولى مراقبة حسابات الجهات والجماعات الترابية الأخرى وهياتها وكيفية قيامها بتدبير شؤونها.

بالإضافة الى الأجهزة الرقابية فان تبني أدوات فعالة كفيلة بتفعيل الحكامة من قبيل:

  • المحاسبة التحليلية، فتطبيقها والاستعانة بها من شانه تسهيل مأمورية الأدوار الجديدة للجماعات المحلية، نظرا للإيجابيات التي تقدمها، ابتداء من معرفة التكاليف، وتحديد سعر تكلفة المنتجات والخدمات، وصولا إلى اتخاذ القرارات الصائبة. فهذه الإجراءات تهدف الى تحقيق المصلحة العامة في أدق وأجود صورها من جهة، ومن جهة أخرى تعمل على تخليق الحياة العامة المحلية وترشيد النفقات العمومية.
  • مراقبة التسيير، تعتبر آلية رقابية تتوخى تقييم وتقويم مناهج التسيير، بواسطة اقتراح الإجراءات التصحيحية على المسؤولين، قصد تحقيق الأهداف المعلنة، وهو ما يجعل منها مراقبة مندمجة في التسيير وليست خارجة عنه
  • مبدأ صدقية الميزانية حيث نصت الفقرة الثانية من المادة 165 من القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات على أنه “تقدم ميزانية الجهة بشكل صادق لمجموع مواردها وتكاليفها، ويتم تقييم صدقية هذه الموارد والتكاليف بناء على المعطيات المتوفرة أثناء إعدادها والتوقعات التي يمكن أن تنتج عنها” وهو نفس المقتضى الذي أتت به الفقرة الثانية من المادة 144 من القانون التنظيمي رقم 112.14 المتعلق بالعمالات والاقاليم، والفقرة الثانية من المادة 152.

كما ترتبط الدولة بالجماعات المحلية ماليا عبر تدخلها لرقابة تدبيرها المالي إعدادا وتنفيذا، وذلك عبر الرقابة القبلية والرقابة الموازية اضافة الى الرقابة البعدية، وتستعملها كوسيلة لتوجيه ومراقبة ودعم إمكانيات الجماعات والارتقاء بالعمل الجماعي الى مستوى تطلعات المواطنين [4] و بناء الجهوية وفق المنظور الجديد.

 

الفقرة الثانية: الآليات التدبيرية الحديثة

  • التدقيق والافتحاص: الأصل اللاتيني للمصطلح Audit مشتق من الفعل audir ويفيد الإنصات والمدقق، auditeur هو الشخص الذي ينصت للآخرين من أجل تقديم النصائح والإرشادات قصد تجاوز النقائص والعيوب، وعلى هذا الاساس يبدو التدقيق أو الافتحاص بمثابة صيرورة وظيفية ذات طبيعة انتقادية وتقييمية تهدف إلى تشخيص الوضعية المالية للمنظمة (الجماعات المحلية) وتخلص إلى وضع توصيات علاجية لمختلف الصعوبات والعوائق والاختلالات، ومن هذا المنطلق يقوم مفهوم الافتحاص على مجموعة من العناصر المنهجية[5]:
  • دراسة متخصصة لوضعية المنظمة الخاضعة للافتحاص
  • احترام مبدأ التخصص والاستقلالية
  • التقييم المادي للعناصر المشمولة بالافتحاص
  • شمول التدقيق لمراقبة ملائمة التصرفات المالية للشكليات القانونية والقواعد المنظمة لها

ومن هذا المنطلق يتأسس التدقيق والافتحاص على تنزيل واعتماد مجموعة من الآليات والقواعد والمساطر والمهام الرقابية التي تتعلق بالأساس بتنفيذ عمليات الفحص والتحليل والتشخيص واستعمال التقنيات المتطورة والمكانيزمات الحديثة في التدبير والتسيير.

وبالمقابل يركز التدقيق والافتحاص على الاجراءات ولعناصر المتعلقة بالنشاط أو التدبير المالي المحلي وعلى طرق استعمال أصول وخصوم الميزانية المحلية وتدبير مواردها وممتلكاتها، وذلك قصد ضبط مواطن الخلل وتحديد المعيقات والصعوبات ومن ثم استخلاص نتائج عملية الافتحاص والتي تتخذ شكل توصيات علاجية آنية ووقائية مستقبلا، وهو ما يشكل أهم الخصوصيات التي تميزه عن الرقابة الإدارية الأخرى.

وهناك نوعين من الافتحاص، الداخلي والخارجي، فيما يخص الافتحاص الداخلي يهدف بالأساس لإيجاد أفضل السبل لتفادي مخاطر المقاولة والتغلب عليها بالاعتماد على آليات ذاتية للضبط والرقابة وترسيخ دور مراقبي المحاسبات، وإذا كان هذا التدقيق يعتبر في القطاع الخاص عنصرا أساسيا فإن نقله إلى المجال العمومي لا يقل أهمية بالنظر لدوره في التوجيه والضبط الذاتي لنشاط المالي والإداري المحلي نظرا لاعتماده بالأساس وفي مجال التدبير المحلي.

أما بالنسبة للتدقيق الخارجي لا يعاكس مثيله الداخلي إلا من الناحية الشكلية والمتمثلة في الهيئة المختصة بممارسة الفعل الرقابي، أما القواعد  والوظائف الرقابية فتتماثل نسبيا وبشكل كبير بين هاتين الصيغتين من الافتحاص وإذا كان التدقيق الداخلي محدد بصفته وممارس بالتالي وممارس من طرف المنظفة ذاتها وفق معايير وقواعد وشروط محددة، فإن الاختلاف الأساسي بين هاتين الآليتين تتمثل في ممارسة الاختصاص في هذا الصدد، وبالتالي نجد بأن التدقيق الخارجي يقترب أكثر من الناحية العضوية من الآليات الرقابية الاخرى وخاصة الكلاسيكية.

  • مراقبة التسيير: تعتبر رقابة ذات طابع إداري محض، تقوم بها هيئات ذات الطابع الرقابي وحتى وإن اختلفت الاتجاهات بخصوص تحديد مضمونها ومجالها، فإن الإطار العام الذي يشمل مختلف الاتجاهات يصب في قالب مفاهيمي متشابه يجمع بين مضمون هذه الرقابة وبين حيثياتها ومآلها أو حتى آثارها فهي من جهة تصنف كرقابة للملائمة على اعتبار أن رقابة التسييرات الأصل الأنجلوساكسوني تهدف بالأساس إلى رقابة تسيير وتدبير المال العام ومقارنة التكاليف مع النتائج حماية له من كل تسيير مخل أو غير فعال ومن جهة ثانية ترتبط هذه الرقابة بشكل خاص بمدى تحقيق الأهداف والنتائج عبر استعمال أمثل وأنجع للموارد المخصصة لها داخل الوحدة أو المنظمة الخاضعة لهذه الآلية الرقابية.

أما التعريف القانوني فيلخص رقابة التسيير المخولة للمحاكم المالية، والتي تشمل جميع أوجه التسيير المالي للهيآت الخاضعة لرقابتها في تقييم مدى تحقيق الأهداف المسطرة والنتائج المحققة كما تعنى بدراسة فعالية ونجاعة التكاليف ويراقب الاستعمال الأمثل للموارد وحماية الممتلكات العمومية إضافة إلى رقابة مشروعية وصدق العمليات المنجزة وحقيقة الخدمات المقدمة والأشغال التي تم تنفيذها.

  • المحاسبة التحليلية: المحاسبة التحليلية (تحليل التكاليف) تهدف إلى معالجة المعطيات المتعلقة بتسيير وسائل الإدارات، وذلك من خلال معرفة تكلفة مختلف الوظائف (سياسات، مشاريع، أنشطة، مهام…) التي تضطلع بها الإدارات وأيضا تحديد أسس تقييم بعض العناصر المتعلقة بالحساب الختامي، بالإضافة إلى تفسير النتائج عن طريق حساب تكاليف المنتوجات لمقارنتها مع المردودية المحصلة هذا من جهة، ومن جهة تمكن المحاسبة التحليلية من صياغة تقديرات للمصاريف والمنتوجات الجارية (التكاليف المحددة مسبقا، ميزانيات الاستغلال …الخ)، عن طريق تحليل المعلومات المحصل عليها من المحاسبة العامة بصفة خاصة وعلى ضوء هذا التحليل يتخذ المسيرون القرارات الملائمة التي تهم الإدارة.

ومن شأن تبني هذا النظام، إنتاج معلومات محاسبية موحدة تمكن من حصر مجموع أنشطة الدولة وممتلكاتها وتتبع تطورها، وكذا قياس وتقييم فعالية ونجاعة النفقات العمومية، كما سيمكن هذا الإجراء من ضبط  أفضل للتكلفة الإجمالية للخدمات العمومية وتتبع أدق للمجهودات المبذولة من أجل التحكم فيها، بحيث يفترض في كل نظام معلوماتي للمحاسبة أن يستجيب لهدف مزدوج أولا تقديم صورة صادقة عن الوضع المالي للإدارة خصوصا عن طريق مسك محاسبة عامة، وثانيا، تثمين كلفة الخدمات المقدمة عن طريق نوع آخر من المحاسبة يدعى بالمحاسبة التحليلية.

 

المبحث الثاني: واقع وآفاق تدبير مالية الجماعات الترابية

المطلب الأول: الواقع المالي للجماعات الترابية

تكتسي مالية الجماعات الترابية أهمية بالغة في إطار مناقشة تدبير الشأن المجالي ودراسة أسس الاستقلال المالي والتدبيري المحلي، والدور التنموي للهيئات اللامركزية.

وإذا كان النظام المالي للجماعات الترابية يجسد بشكل مبدئي وجود استقلال مالي متزاوج مع الاستقلالية في التدبير، بحيث يعتبر الاستقلال المالي أهم مبادئ النظام اللامركزي نفسه، وأساس الاستقلال الإداري والتمتع بالشخصية المعنوية، وإذا كان الاستقلال المالي يجسد المستوى المادي لممارسة الجماعات الترابية لاختصاصاتها التنموية، فإنه يرتبط بالضرورة بوجود مالية محلية وميزانية مستقلة ونظام جبائي خاص ولا مركزي يمكن مبدئيا الهيئات اللامركزية من تمويل ممارستها لمهامها واختصاصاتها.

وتعتبر مسألة التدبير الترابي، أساسا لبلوغ تنمية حقيقية ومتوازنة، بإمكانها الاستجابة لكل متطلبات المواطنين على الصعيد الترابي سواء من خلال الجماعات الحضرية أو القروية، الجهات، العمالات والأقاليم، غير أن هذا التدبير، لا زالت تعترض تقدمه مجموعة من الاختلالات التي أثرت على مردودية نتائجه وجودة خدماته، هاته الأخيرة يمكننا إجمالها في النقاط التالية:

  • ضعف الموارد المالية المرصودة لتدبير الشأن العام الترابي، الأمر الذي لطالما أثر سلبا على جاذبية الاقتصاديات الترابية وهو ما يفسر قلة تهافت المستثمرين عليها؛
  • ضعف تكوين المنتخبين واستمرار تدبيرهم للاقتصاديات الترابية بعقلية سياسية محضة عوض عقلية تدبيرية بحثة؛
  • ضعف اليات وقنوات التسويق الترابي، مما حرم الميزانية العامة للدولة، وعبرها المواطنون، من جني أرباح مالية مهمة كانت ستكون لها انعكاسات ايجابية على مسلسل التنمية؛
  • نقص في الموارد البشرية واللوجستية الكفيلة بالاستجابة الآنية للمرتفقين من جهة، وتثبيت العدالة الخدماتية الجهوية من جهة أخرى الخ…
  • غياب العدالة الجبائية.
  • غياب التحديد الدقيق للأملاك العامة الجماعية، وذلك راجع الى ضعف الإطار القانوني الدي يحدد هذا المجال، بحيث عدم صدور قانون جديد يواكب تطور التدبير الترابي منذ ظهير 1914. الشيء الذي يساهم في ضياع المال العام الجماعي بسبب عدم قدرة الجماعات على حصر املاكها العمومية الجماعية التي تدخل في نطاقها الترابي.

كل هذا التأخر عن الإقلاع الترابي المتوازن والفعال، يمكننا تفسيره بغياب البعد الاستراتيجي في تدبير المجالات المرتبطة بمسألة التنمية الترابية المستدامة وخاصة في شقها الاقتصادي، وذلك اعتبارا لكونه يشكل اللبنة الأساسية لمسار التنمية في ارتباط تام ومتناغم مع تطلعات المنظومتين الاجتماعية والثقافية لكون أن كل واحد منها مكمل للآخر

 

المطلب الثاني: آفاق مالية الجماعات الترابية:

الفقرة الأولى: التحديات الرئيسية أمام آفاق تطوير مالية الجماعات الترابيةعلى ضوء متطلبات تنزيل ميثاق اللاتمركز الإداري الجديد

إن من بين أهم التحديات المطروحة على مالية الجماعات الترابية وتطوير آفاقها، إكراهات ضعف التغطية المالية الكافية بالنسبة لمعظم الجماعات وضعف سلطتها الجبائية، كما أن سياسة الإمدادات والمساعدات ترهن السياسة المالية للدولة.

حيث إن الحكامة المحلية تفرض الاعتراف بسلطة جبائية لفائدة الجماعات الترابية، بالنظر لاتساع رقعة الوصاية وشمولية رقابة الأجهزة الإدارية لأعمال المجالس الجماعية لا سيما المتعلقة بالمجال المالي، علاوة على أن القوانين التنظيمية، بما فيها القانون التنظيمي للجماعات تساوي بين الجماعات الفقيرة والغنية، دون إقرار لبعض الأفضليات على مستوى الدعم المالي لفائدة الجماعات الفقيرة، خاصة في المناطق النائية لتحقيق التوازن بين الجماعات، على غرار صندوق التضامن بين الجهات.[6]

هذا فضلا عن بعض الاكراهات المرتبطة بوضع وتنفيذ الميزانيات الجماعية الناتجة عن صعوبات تقنية ومالية تتعلق بصعوبة تحصيل الموارد لقلة الوسائل اللوجستيكية والمادية لدى المصالح المكلفة بالتحصيل.

على صعيد التنفيذ يلاحظ أيضا عدم كفاية اعتمادات بعض الفصول لتغطية الحاجيات، مما يؤدي إلى تأخر إنجاز نفقات الجماعات وتراكم الديون عليها.

كما أن إعداد الميزانيات الجماعية يظل مرتبطا بالإمكانات والمؤهلات الإدارية والتقنية لكل جماعة، إذ يُلاحَظ في هذا الصدد تباينا موضوعيا فيما يخص الاستفادة من التقنيات المالية بين الجماعات الحضرية والجماعات القروية.

ولا يمكن الحديث عن هذه التحديات التي يجب رفعها بغية تطوير آفاق المالية المحلية،

دون الوقوف على تحد كبير يرهن آفاق مالية الجماعات الترابية، كما يذهب الكثير من المختصين في المجال المالي، ويتعلق الأمر بضرورة مواجهة أوجه الإنفاق العمومي، حيث تعد هشاشة الاستقلال المالي للجماعات الترابية من الإشكالات الهيكلية المزمنة التي تعاني منها البنية المالية، حيث غالبا ما كانت الموارد المالية للجماعات عاجزة عن تغطية نفقاتها، بل إن هناك من الجماعات الترابية، خاصة الجماعات القروية، من ليست لها القدرة حتى على تغطية نفقات التسيير العادية والضرورية. هذه الوضعية جعلت من الجماعات الترابية في وضعية ارتهان مالي لميزانية الدولة. [7]

ومن أجل رفع هذا التحدي وربح رهان تنمية موارد الجماعات الترابية، لا بد من تنمية قدرة النظام الجبائي على توفير مداخيل ضريبية ذاتية موازية لحجم الأدوار الكبرى المسندة للجماعات الترابية ، وذلك عن طريق تحفيز هذه الأخيرة على تنمية مداخليها بنهج حكامة جيدة للجبايات المحلية ، وتفعيل اختصاصات الجماعات الترابية المرتبطة بالمجال التنموي والتي خصصت لها القانون التنظيمي  للجهة عدة مواد من قبيل دعم المقاولات وتوطين مناطق للأنشطة الاقتصادية وجذب الاستثمار والتنمية المستدامة وإعداد التراب والتأهيل الاجتماعي وغير ذلك من الاختصاصات المتعددة  .

وعموما، ومن أجل وضع آفاق لتطوير مالية الجماعات الترابية، والتي بدونها لا يمكن الرفع من فعاليتها وأدائها ونجاعتها، يجب أن تحظى المشاكل ذات الطبيعة المالية بالعناية الكبيرة للدفع بمالية الجماعات الترابية إلى الأمام. وللوصول إلى هذا الهدف، يمكن وضع مخطط شامل يأخذ بعين   الاعتبار هذه المشاكل ويحاول إيجاد حلول لها، من بينها توزيع مدخول الضريبة على القيمة المضافة على الجماعات التي تهدف إلى إحداث تجهيزات اقتصادية ذات مردودية يغذي الميزانيات المحلية، ثم تكثيف الجهود من قبل السلطات والأطراف المعنية من أجل ضمان تحصيل الرسوم والادعاءات لفائدة الميزانيات الجماعية. فضلا عن ضرورة تبسيط الإجراءات المتعلقة بنظام الاقتراض، بالإضافة إلى العمل على تصفية الديون المتراكمة على الجماعات خلال السنوات الماضية، وكذلك وجوب تحويل مداخيل الضريبة الحضرية وضريبة التجارة لفائدة الميزانيات المحلية، وكذا تخصيص الدعائر والغرامات للبناء. إضافة إلى وضع منهجية للميزانية والحد من الفوارق المالية بين الجماعات نتيجة غياب التوازنات الترابية وانتهاج سياسة التركيز الإداري للتجهيزات الجماعية.[8]

أما من الجانب القانوني، فتعرف مالية الجماعات الترابية بعض المشاكل كغموض بعض النصوص القانونية، حيث إن أي خروج عنها يؤدي إلى إلغاء سلطات الوصاية إبطال قرارات الجماعات الترابية. ويرجع السبب في ذلك إلى ركود النصوص القانونية حيث لا تساير التطورات الاقتصادية والاجتماعية مما ينعكس سلبا على القدرة المالية لهذه الجماعات، ويعرقل دورها الفعلي في التنمية، وبناء على ذلك أصبح الإصلاح القانوني لهذه المالية ضرورة ملحة، حيث ينبغي القيام بعدة إجراءات أهمها، إعطاء الجماعات الترابية مزيدا من السلطات لفرض الضرائب والزيادة في أسعارها. ثم إشراكها في المخططات الوطنية وتبسيط المساطر المتعلقة بإنجاز بعض المصاريف الجماعية، وكذلك إنشاء نظام جبائي مستقل خاص بالجماعات القروية وإخضاع النصوص القانونية إلى اجتهاد قضائي مختص عند غموضها.

ويبدو من خلال هذه المعيقات أن آفاق مالية الجماعات الترابية مرهون بابتداع طرق لتوفير الموارد المالية وتعددها، وأمام هذا الوضع يبقى مجهود الجماعة في بلوغ التنمية مفتوحا إذا ما توافرت هذه الموارد للقيام بهذا الدور.

الفقرة الثانية: ميثاق اللاتمركز الإداري وتنمية مالية الجماعات الترابية.

أمام فشل المقاربة الأحادية للتنمية المبنية على التدبير الممركز وعدم نجاحها في تحقيق تنمية حقيقية، كان لا بد من اعتماد أساليب حديثة من بينها أسلوبي اللامركزية واللاتركيز باعتبارهما من المدخلات الأساسية للمنظومة التنموية الحديثة، من خلال اعتماد سياسة القرب عبر إعادة توزيع السلطة والاختصاصات، وإحداث وحدات ترابية مبادرة ونشيطة وفعالة وساهرة على تدبير الشأن المحلي كشريك أساسي بجانب الدولة والقطاع الخاص في تدبير قضايا التنمية، وبالتالي خلق أقطاب للتنمية المحلية الشمولية.

إلا أنه في الواقع فقد سجلت سياسة اللامركزية تطورا ملحوظا بالمقارنة مع سياسة اللاتركيز في المغرب، وأمام هذا الوضع كان لابد من العمل على تطوير أسلوب اللاتركيز ليكون مواكبا للجهوية واللامركزية، وإعادة توزيع السلطة بين المركز ومصالحه الخارجية ونهج سياسة إدارية لا متمركزة مبنية على السرعة والفعالية ومشاركة جميع الفاعلين على المستوى المحلي لترسيخ حكامة ترابية على شتى المستويات.

وفي هذا الخصوص، أعلن جلالة الملك في أكثر من مناسبة على ضرورة تسريع مسلسل اللاتمركز وتوسيع صلاحياته باعتباره لازمة ضرورية لمواكبة ورش الجهوية المتقدمة[9] خاصة مع اتساع مجال الصلاحيات المخولة للجماعات الترابية وخاصة منها الجهة وأهمية الموارد البشرية والمالية التي وضعت رهن إشارتها تتطلب النهوض باللاتمركز الإداري، وقد حدد في خطابه بمناسبة تنصيب اللجنة الاستشارية للجهوية سنة 2010، على المرتكزات الأربع للجهوية المنشودة ورابع هذه المرتكزات  كان “اللاتمركز الواسع”، فكان لابد من مراجعة المقتضيات المعمول بها في مجال اللاتركيز  ولتحقيق ذلك انكبت الدولة على إعداد تصور جديد للإدارة اللاممركزة، يواكب ما نص عليه دستور 2011 خاصة الفصل  145 الذي نقل الوصاية على الجماعات الترابية إلى دور المساعدة، و حصر تمثيلية الولاة والعمال في السلطة المركزية بعلاقته مع المجالس المنتخبة، إلى مستوى العلاقة بين سلط متوازية لا وجود لعلاقة تراتبية أو إشراف بينها خاصة مع إقرار الدستور بمبدأ التدبير الحر للجماعات الترابية الذي يكرس استقلالها المالي والإداري.

وهكذا وجه جلالة الملك الحكومة إلى القيام بالعديد من الإصلاحات لتطوير نظام اللاتمركز حتى يكون في خدمة التنمية الترابية، على أن تراعى في ذلك مستلزمات الحكامة الترابية الجيدة،  وكان ميثاق اللاتمركز الإداري الذي تم المصادقة عليه مؤخرا [10] ثمرة هذه الجهود والذي يقوم على مبدأ نقل المبادرة لفائدة المصالح اللاممركزة في تنفيذ السياسات العمومية التي يتم إعدادها على المستوى المركزي [11] من خلال تخويل الإدارة اللاممركزة صلاحيات أوسع لتمكينها من أخذ القرارات المناسبة في أفضل الظروف، خاصة القرارات التي تخص مالية الجماعات الترابية، موازاة مع دعم الجهة بالإمكانيات المالية اللازمة لتحقيق الأهداف الاستراتيجية الكبرى للسياسات العمومية ومخططات العمل المعتمدة بالجهة.[12]

لذلك فاللاتمركز الإداري لا يعني فقط نقل السلط من المركز إلى المصالح الجهوية، بل إنه عملية تحول أساسية في كيان الدولة فالأمر يتعلق بميزانية الدولة، بالاستثمار، بالبرامج القطاعية وبتدبير الموارد البشرية،[13] لذلك فإن التدبير المالي اللامتمركز سيشهد تحديثات من قبيل:

  • نقل الاختصاصات والموارد المالية للمصالح اللاممركزة واقتران نقل تلك الاختصاصات بتخصيص موارد مالية مطابقة لها[14].
  • تخويل المصالح اللاممركزة صفة آمر بالصرف مع تفويض الاعتمادات والأوامر بتحويلها ما سيساعد في تبسيط المساطر والإجراءات.
  • البرمجة والتعاقد مع الإدارة المركزية على أساس مخطط عمل استراتيجي جهوي.

كما ستتولى المصالح اللاممركزة للدولة على المستوى الجهوي تقديم مقترحات البرمجة الميزانياتية لثلاث سنوات المتعلقة بها ورفعها إلى السلطات الحكومية التابعة لها، وإعداد مشاريع تقارير نجاعة الآداء المتعلقة بمختلف المصالح التابعة لها على مستوى الجهة[15].

وفي هذا الصدد، فإن الجهة خاصة، ونظرا للمكانة التي تحتلها ستتوفر على إدارة جهوية تتمتع بسلطات تقريرية في إطار اللاتمركز من خلال إحداث مديريات جهوية[16] معززة بموارد بشرية كفئة ووسائل مالية ومادية كافية تغني مالية الجهة، ويتعين أن تنتظم هذه الإدارة الجهوية في أقطاب إدارية لا ممركزة، من أجل ترشيد استعمال الوسائل وتقليص النفقات، الأمر الذي سيمكن هذه الإدارة الجهوية بمهام تدعم عمل الولاة في تنسيق تدخلات الدولة على المستوى الجهوي[17]، وتنفيذ البرامج التعاقدية بين الدولة والجهة وتدبير العلاقة بين المصالح اللاممركزة للدولة والجهة ما سيساهم في اندماج اعتمادات الميزانية المحددة على أساس المهام وبرامج الدولة المشتركة بين القطاعات وتعميق حضور المقاربة الترابية  في برمجة قوانين المالية،[18] لذلك بدل أن يتم التنسيق على مستوى المركز سيتم ذلك على المستوى الجهوي عن طريق تفويض الاختصاصات والموارد المطابقة

 

 

 

خاتمة

 

إن مستجدات التدبير المالي للجماعات الترابية، ينبغي أن تشكل فرصة سانحة التحديث وتقوية التدبير المالي المحلي وتغيير أنماط تدبير المالية المحلية، نحو ثقافة تدبيرية جديدة قائمة على النتائج والمساءلة عن اتخاذ القرارات، وذلك عن طريق برامج ومشاريع تنموية تستجيب لتطلعات المواطنات والمواطنين .

وبما أن إصلاح التدبير المالي يعد المدخل لكل إصلاح. فإن الفعل المحلي، ينبغي أن يتسم بقيم ومبادئ الحكامة المالية، بغية تعزيز نجاعة وفعالية التدبير المحلي، وترسيخ ثقافة التقييم والراقية على مختلف أوجه صرف المال العام.

 

 

 

 

لائحة المراجع

 

  • كتب وأبحاث:

 

– التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة، من إعداد الطالبة الباحثة سناء حمرالراس، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، جامعة محمد الخامس بالرباط، السنة الجامعية 2016-2017 ص 11.

– الحكامة المالية في ضوء الأدوار الجديدة للجماعات الترابية وكالة المغرب العربي للأنباء MAP. 25 غشت 2015

– بناء المالية العمومية وفق التصور الجهوي برلمانكم – 2 مايو 2014

عبد اللطيف بروحو: مالية الجماعات الترابية بين واقع الرقابة ومتطلبات التنمية-الطبعة الثانية محينة ومنقحة 2016 ص 114-

– ابراهيم كومغار. أي مستقبل للحكامة المحلية؟ من خلال القانون التنظيمي للجماعات. مجلة مسالك. العدد33  -34. ص153

– القرني. التدبير الجبائي الترابي بين محدودية الحصيلة وثقل الرهانات. المجلة المغربية للقانون الإداري والعلوم الإدارية. عدد مزدوج-2-3.2017

– امين ركلمة. مالية الجماعات المحلية بين دواعي التجديد وافاق التطوير. مجلة مسالك.عدد29-30.ص.102

– مشروع ميثاق اللاتمركز الاداري صيغة 15 اكتوبر 2018

– الجريدة الرسمية، إعلانات وبلاغات عدد 644477-21 رمضان 1437 (27 يونيو 2016)

 

  • مقالات على الانترنت:

 

– مدخل إلى علم التدبير د. جميل حمداوي http://www.alukah.net/culture/0/61517

– موفع الصباح: https://assabah.ma/323691.html

– موقع رئاسة الحكومة: الحكامة الترابية وانعكاساتها على التنمية المحلية http://www.cg.gov.ma/details.60.1595

– موقع العمق: https://m.al3omk.com/300763.html?mobile_switch=mobile

 

 

 

[1] – التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة، من إعداد الطالبة الباحثة سناء حمرالراس، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، جامعة محمد الخامس بالرباط، السنة الجامعية 2016-2017 ص 11.

[2]  – http://www.alukah.net/culture/0/61517/

 [3] الحكامة المالية في ضوء الأدوار الجديدة للجماعات الترابية وكالة المغرب العربي للأنباء MAP . 25 غشت 2015

 [4]  بناء المالية العمومية وفق التصور الجهوي برلمانكم – 2 مايو 2014

 

[5] – عبد اللطيف بروحو: مالية الجماعات الترابية بين واقع الرقابة ومتطلبات التنمية-الطبعة الثانية محينة ومنقحة 2016 ص 114-115

[6]  ابراهيم كومغار .أي مستقبل للحكامة المحلية ؟ من خلال القانون التنظيمي للجماعات .مجلة مسالك.العدد33-34 .ص153

[7]   القرني .التدبير الجبائي الترابي بين محدودية الحصيلة وثقل الرهانات.المجلة المغربية للقانون الإداري والعلوم الإدارية.عدد مزدوج-2-3.2017

[8]  امين ركلمة .مالية الجماعات المحلية بين دواعي التجديد وىفاق التطوير.مجلة مسالك ة.عدد29-30.ص.102

[9] – المصدر موفع الصباح، على الرابط التالي: https://assabah.ma/323691.html

[10] – أواخر اكتوبر 2018

[11] – الحكامة الترابية وانعكاساتها على التنمية المحلية  http://www.cg.gov.ma/details.60.1595

[12] – حسب المادة 8 من مشروع ميثاق اللاتمركز الاداري فان توزيع الاختصاصات سيتم بناء على مبدأ التفريع

[13] – المصدر موقع العمق: على الرابط التالي: https://m.al3omk.com/300763.html?mobile_switch=mobile

[14] – المادة  8 من مشروع ميثاق اللاتمركز الاداري صيغة 15 اكتوبر 2018

[15] – المادة 15 من ميثاق اللاتمكرز الإداري، مرجع سابق.

[16] – الميثاق نص على إدارات لاممركزة على مستوى الجهات (تعتبر مديريات بالإدارة المركزية المادة 44) وأخرى على مستوى العمالات والأقاليم (تعتبر في حكم قسم بالإدارة المركزية).

[17] – الباب الخامس من ميثاق اللاتمركز الاداري الذي يحدد العلاقة بين المصالح اللاممركزة للدولة بولاة الجهات وعمال العمالات والأقاليم.

[18] – الجريدة الرسمية، إعلانات وبلاغات عدد 644477-21 رمضان 1437 (27 يونيو 2016)

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.